في غمرة الفعاليات التي تقام داخل فلسطين المحتلة وخارجها في يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان (أبريل)، لا بد من الحديث عن تجربة مميّزة عرفها الشارع اللبناني تضامنًا مع الأسرى الفلسطينيين والعرب وعمرها 19 عامًا.
هذه التجربة هي تجربة اعتصام "خميس الأسرى"، حيث يجتمع في أول خميس من كل شهر عدد من المتضامنين اللبنانيين والفلسطينيين أمام مقر الصليب الأحمر الدولي في العاصمة أحيانًا، وفي مدن لبنانية أخرى أحيانًا أخرى، في تعبير عن التزام عميق ومستمر مع الأسرى الذين تضيء أنوار الحرية من زنازين معتقلاتهم الصهيونية.
تكمن أهمية هذه التجربة، التي تشرف عليها اللجنة الوطنية للدفاع عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وعلى رأسها المحامي عمر زين الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، والمناضل يحيى المعلم (شقيق المفقود محمد المعلم الذي وقع في أيدي جيش الاحتلال الصهيوني خلال غزو لبنان عام 1982، في إثر مواجهة له مع عدد من رفاقه في تجمع اللجان والروابط الشعبية في منطقة الأولي، مدخل مدينة صيدا، في 6/6/1982)، في استمراريتها دون توقف طيلة هذه الأعوام، وفي تنقلها من مدينة إلى أخرى، وفي مشاركة مختلف ألوان الطيف الحزبي والفصائلي اللبناني والفلسطيني وفي تأكيدها للبعد الوطني والقومي والإنساني لقضية أسرى الحرية في فلسطين، وفي تقديمها نموذجاً للتضامن مع الأسرى ليس محصوراً بظرف موسمي أو بحدث عابر تسعى إلى تعميمه في كل قطر عربي وفي دنيا الاغتراب الفلسطيني والعربي.
و"خميس الأسرى" لم يقتصر على هذا الاعتصام الشهري، بل أيضاً كان يأخذ شكل ندوات ولقاءات في مراكز ثقافية ووطنية داخل المدن اللبنانية والمخيمات الفلسطينية، بل يأخذ شكل منتديات عربية ودولية شاركت فيه "اللجنة الوطنية" مع هيئات عربية ودولية، كالملتقى الكبير والحاشد الذي انعقد بدعوة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن بالتعاون مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية والمؤتمر العام للأحزاب العربية والمنتدى القومي العربي في الجزائر خريف عام 2010، وكما جرى بعدها في ربيع 2014 في بيروت عبر ملتقى لهيئات مناصرة الأسرى في الوطن العربي والعالم بدعوة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن واللجنة الوطنية للدفاع عن الأسرى والمعتقلين ، وكان من أبرز المشاركين فيه وزير العدل الأميركي الراحل قبل أسبوع المناضل الاممي الكبير رامزي كلارك.
إن الحديث اليوم عن تجربة "خميس الأسرى" في يوم الأسير الفلسطيني هو أيضاً دعوة لكل مناصري النضال الفلسطيني إلى القيام باعتصامات دورية مماثلة حيثما يمكن إقامتها كي يدرك العدو أن تكاليف أسر هؤلاء الأبطال وبينهم المئات من النساء والأطفال والشيوخ على المستويات السياسية والإعلامية والأخلاقية هي أعلى بكثير من الفائدة من اعتقالهم، وقد مضى على بعضهم أكثر من 36عاماً في الأسر.
لقد باتت قضية الأسرى والمفقودين الفلسطينيين والعرب في السجون المعروفة و"السرية"، ومعها قضية "مقابر الأرقام"، أحد عناوين القضية الفلسطينية، تمامًا كما الاغتيالات والاحتلال والتمييز العنصري والحصار والاستيطان الاستعماري والتهويد وتدنيس المقدسات، وعليه ينبغي أن يكون واجب كل داعمي الحق الفلسطيني أن يضعوا قضية الأسرى في سجون الاحتلال، كما في سجون الرأي العديدة في بلادنا في رأس جداول أعمالهم النضالية، كأحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية، وأن يكون الاهتمام بهؤلاء الأسرى على المستويات الإنسانية والمعيشية والأسرية والقانونية هم كل مسؤول فلسطيني وعربي وأممي.
إن أمّة تترك أسراها في السجون دون حراك مستمر من أجلهم، أمة لا تستحق الحياة، وإن شعباً لا يعرف الراحة إلا بعد تحرير أسراه على طريق تحرير أرضه هو شعب يستحق كل الاحترام.