ما ألطف هذه الآية على نبضات القلب حينما يقول الله تعالى: "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الحجر:49)! فهي تحمل البشرى لك بأنه مهما بلغت ذنوبك فلا يزال باب التوبة مفتوحًا؛ فأنت غالٍ على الرحمن حينما يقول لك: "عِبَادِي"، ويتبعها باسم من أسمائه الحسنى "الْغَفُورُ"، هنا ستشعر بالرحمة والحب الكبير؛ فالله يريدك أنت.
نعم، أنت! رغم الذنوب التي أثقلتك، اجعل قلبك يردد: "الغفار"؛ تجد أن هنالك شيئًا يحرك قلبك يختلف عن نبضه المعتاد، تجد أن حياة جديدة تنتظرك هي الأمل لك، لتنزع عن جسدك ثياب الذنوب وترتدي ثياب الطهر العطرة.
لا تقل: "ذنوبي كثيرة، لا أستطيع"؛ فهذا وسواس الشيطان فهو يعدك الفقر، كما قال (تعالى) في كتابه العزيز: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ" (البقرة:268)، فكل الذي يدور بذهنك من الإصرار على الذنب هو وعد الشيطان لك.
أيعقل أن تركض وراء هذا الوعد وتترك وعد الحق حيث قال سبحانه وتعالى: "وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:268)؟!، الله (تعالى) يعدك المغفرة وليس هذا فحسب؛ بل أيضًا الفضل منه.
لا تكرر مقولتك: "ذنبي كبير وكثير"؛ فالله تعالى يقول لك:" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر:53)، فهنا أيضًا يقول لك: "يَا عِبَادِيَ"، ما أجملها على القلب! فهي تحمل القرب والمحبة من الله تعالى لك، وأيضًا يقول لك: "يَغْفِرُ الذُّنُوبَ"، ويقول: "هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
حينما تتأمل اسم الغفار نجد أن مغفرته غير متناهية، وهذا دليل على رحمته الواسعة، وحينما ننظر إلى ذنوب العباد فمهما عظمت فهي متناهية، وبذلك يكون غير المتناهي يغلب على المتناهي، وهنا تتجلى رحمة رب العالمين على عباده، فيقول لك مهما عظمت ذنوبك: "أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
اجعل لك رجعة؛ فلا يزال باب الرحمة مفتوحًا؛ فلا تغلقه بإصرارك على الذنوب وعدم التوبة، انهض من جديد، لقد أقبل رمضان على قلبك وروحك.
اسجد لله تعالى وقل له في هذه الأيام المباركة فهي أيام رحمة ومغفرة وعتق من النار: يا غفار اغفر لي، يا غفار تب علي، يا غفار عدت إليك تائبًا فتقبل توبتي.
