قائمة الموقع

"حسنين" و"الهندي" يرويان حكايات "رمضان خلف القضبان"

2021-04-17T09:52:00+03:00
حازم حسنين

مع ثبوت هلال رمضان تجد العواطف لها سبيلًا لتتسلل إلى قلوب الأسرى رغم القضبان الحديدية، وتفتح عليهم المواجع مجددًا بتذكر طقوس عائلاتهم في استقبال شهر رمضان، والعادات والتقاليد التي اعتادوها، ولكنهم ينفضونها بإشغال أنفسهم ليظهروا أمام السجان متماسكين.

ما إن يبتعد السجان عن أبواب غرفته حتى يعود الأسير عليان الهندي إلى مجاورة زميله في الأسر، ليكمل حديثه همسًا عن أهله وذكرياتهم في رمضان.

الهندي (58 عامًا) يسكن في مدينة رام الله، أفرج عنه بعد قضاء محكوميته في السجن مدة خمس سنوات، تلتها اعتقالات إدارية متفرقة، تخللها قدوم رمضان ليعيشه على وقع ذكريات أهله ومدينته.

يقول لصحيفة "فلسطين": "في الأسر لا تغيب عن أذهاننا أي جزيئة من التفاصيل في استقبال هذا الشهر الفضيل، ولكن أمام غطرسة السجان نحاول جاهدين ألا نظهر أي نوع من الانكسار أو الحزن إذ يحرص دائمًا ألا نكون مرتاحي البال".

ويوضح الهندي أن السجان يحاول بشكل أو آخر أن يمنع وضع برنامج خاص لرمضان، ومع ذلك يحاول الأسرى وضع برنامج موحد بين كل غرف السجن، فمثلًا في حال منعت إدارة السجون الصلاة الجماعية للتراويح يصلي كلٌّ في غرفته بإمام واحد يصلي بصوت عالٍ.

وإعداد طعام الإفطار في رمضان يكون موحدًا بين جميع الغرف بخلاف الأيام العادية، وذلك ذلك بتبادل الأطباق في المأكولات والمشروبات، والحلويات، وهو نوع من التعاطف بين الأسرى.

"يذكرنا هذا النوع من التعاطف في الأسر بعادة الصحن الدوار، إذ يوجد في كل قسم شاب مهمته خدمة الأسرى بداخله، وقبل المغرب تُغلق الأقسام فتتبادل الأطباق وكل قسم يطعم الآخر مما أعد من طعام إفطار أو طبق من الحلوى أو عصائر، وبذلك تتشابه السفر في الأقسام جميعًا".

ويشير الهندي إلى أن الأسرى يُجبرون على تناول أكلة معينة وفقًا لما تورده إدارة السجون من مكونات.

على قساوة الجو الرمضاني في الأسر لا يخلو من مشاهد جميلة أبطالها الأسرى، فمنهم من يجلس منفردًا في قراءة القرآن، وآخر يشارك مجموعة في تفسير وتدبر آيات منه، ومنهم من يجلس للاستغفار والاستماع للإذاعات والبرامج الدينية، ويتشاركون في تجهيز الإفطار وغيرها من الأمور التي يحاول الأسرى بها تحدي الواقع المر، ويزيد ذلك في الشهر الفضيل.

ويذكر الهندي أن رمضان له ميزة خاصة عند كل المسلمين، إذ ينتظرونه بشوق، وبمجرد ثبوت هلاله يؤذن أحد الأسرى ويعلن بصوت عالٍ أن غدًا أول أيام شهر رمضان، مع العلم أنه قبل عدة أيام يعكفون على الاستعداد والتجهيز لاستقباله بإعداد ببعض المأكولات، والكتب الدينية والتفسيرات وغيرها.

وشهر رمضان في الأسر لا يقتصر فقط على العبادة، بل يفتح على الأسرى العواطف الجياشة نحو الأهل والأبناء، موضحًا أن أكثر مدة مؤلمة للأسير مدة رمضان والأعياد إذ تثير هذه المناسبات المشاعر الدينية والعائلية لديه.

وفقدان الأسير الحضن العائلي في رمضان يجعله يعض على الجراح حتى يكون صامدًا ومقاومًا، ويذكر أن الجميل في هذا الشهر أنه يقوي العلاقة بين الأسرى بتبادل أسرار الحياة العائلية، ويصنع جوًّا من التقارب.

جلسة موعظة

أما الأسير المحرر حازم حسنين (40 عامًا) من مدينة غزة فحكم الاحتلال عليه بالسجن 16 سنة، وأفرج عنه بعد قضاء محكوميته في 10 شباط (فبراير) 2020.

أول رمضان كان من أصعب ما مر عليه في الأسر، بسبب البعد عن الأهل وظروف الأسر الصعبة، ولكن ما هون الأمر وجود أسرى حوله، إذ كانوا يحاولون تذوق حلاوة الشهر.

يقول حسنين لصحيفة "فلسطين": "كل شخص في الأسر يحاول أن يضع برنامجه الخاص برمضان قبل أيام من قدومه، ولكن في ليلة ثبوت الهلال توزع المهام على الأسرى: إعداد الفطور والسحور، والترتيب والتنظيف والجلي، وموعظة العشاء، والإمامة وغيرها".

ويحرص كل أسير على ألا ينقطع عن صلة رحمه، والتواصل معهم هاتفيًّا ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فيعد رمضان فرصة للتواصل الاجتماعي ليشعر بلذة الجو الرمضاني، يعلق: "وبذلك إصرار من الأسير على أنه ليس بعيدًا عن أهله".

ويشير حسنين إلى أن نهار رمضان لا يخلو من النشاطات الرياضية، وخطة لختم القرآن، وبرنامج يومي تتخلله ساعات من الذكر والتسبيح، وتخصص آخر ساعتين لإعداد طعام الإفطار، وبعد الانتهاء تعقد جلسة سمر ومسابقات ثقافية قبل صلاة التراويح، لينفرد بعدها كل أسير ببرنامجه الخاص.

وفي أثناء انشغال كل أسير ببرنامجه بقراءة القرآن أو التفسير أو جلسة موعظة تقتحم القسم قوة احتلالية بعدد 50 شرطيًّا، تحمل معها كل الأدوات القتالية لتنغص عليهم ليلتهم وجوهم الرمضاني، وفرصة الاستقرار، والاستشعار بقيام الليل، فتفتش القسم وتقلبه رأسًا على عقب، وبعد الانتهاء يحاول الأسير أن يعود إلى جوه من جديد.

يضيف حسنين: "وكأن الأسير له قدرة على العودة والبدء من جديد، فلا يسمح للإحباط أن يدخل قلبه، والتغيير الإيجابي الذي يحدثه الأسير في حياته -خاصة في رمضان- يرجع للظروف التي يمر بها، خاصة أنه يمر بمرحلة من الوعي والتطوير الذاتي؛ فيستثمر رمضان في ذلك".

ورمضان عام 2014 لم يكن كأي رمضان آخر، فلم يمارس فيه أي نوع من العبادات، وقضى نهار الشهر في متابعة التلفاز، ومراقبة الأحداث الدائرة في غزة بسبب العدوان.

وهكذا يمر رمضان بلحظاته الصعبة على الأسرى بعيدًا عن أهلهم وأحبائهم.

اخبار ذات صلة