بالرغم من تَضمّنه بندا مركزيّا اندرجت فيه عدة نقاط حول إيران؛ ممارساتها ومواقفها ونشاطاتها وبرنامجها للصواريخ البالستية، إلا أن البيان الختامي الصادر عن القمة، التي جمعت في الرياض الرئيس الأمريكي ترامب بقادة 55 دولة إسلامية، انصرف أكثره للحديث في بناء "شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب".
التركيز على موضوع الإرهاب في البيان الختامي ينبغي أن يعيدنا إلى خطاب ترامب في القمة نفسها، عندما عدّ حركة حماس حركة إرهابية، في السياق نفسه مع "داعش" والقاعدة، بالإضافة إلى حزب الله.
ليس ثمّة جديد في التصنيف الأمريكي لحركة حماس، ولكن الجديد هذه المرة في الظرف الكامل المستجد الذي جاء فيه استدعاء حماس في خطاب رئيس أمريكي.
ظرف خطاب ترامب لم يبدأ معه، ولا من هذه القمّة، ولكنه بدأ عربيّا قبل أكثر من عشر سنوات، عندما أخذت دول خليجية تضيّق على حماس، فاعتقلت عددا من كوادرها وقياداتها، وضربت استثماراتها، وتبادلت مع الولايات المتحدة الأمريكية المعلومات الناجمة عن حملة الاستهداف هذه، ما يعني بالضرورة وصولها إلى (إسرائيل).
فعليّا دخلت تلك الدول التي لا ترتبط بعلاقات رسمية مع (إسرائيل) في عملية تعاون أمني تستهدف (الإرهاب) بحسب التصنيف الصهيوني، والأمريكي بطبيعة الحال، أي تستهدف المقاومة الفلسطينية التي تمثّل حماس اليوم أكبر فصائلها وأهمها وأكثرها فاعلية على الإطلاق.
باستعادة بسيطة لمواقف تلك الدول من الحروب الطاحنة التي شنّتها (إسرائيل) على غزّة منذ عام 2008، سوف نلاحظ أولا إعراضا مريبا عن تبني أي موقف مناصر لغزّة ومقاومة الشعب الفلسطيني فيها، وعلى العكس اشتغلت على إفشال أي جهد إقليمي سعى يومها لإسناد غزّة، وثانيا نلاحظ إهمالا إعلاميّا واضحا في أجهزة إعلامها الرسمية لما تتعرض له غزّة من عدوان فاحش، وثالثا تبني الرواية الصهيونية، وتحميل حماس المسؤولية في أجهزة إعلامها شبه الرسمية.
في الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014، تحدث نتنياهو عن تحالف إقليمي يجمع (إسرائيل) بعدد من الدول العربية. ادّعى نتنياهو حينها أن علاقات كيانه بالدول العربية غير مسبوقة لا من جهة انتفاء العداء فحسب، ولكن من جهة التعاون والاتفاق على الأهداف المشتركة.
ذلك فيما يتعلق بدول رابطها بـ (إسرائيل) خفي وغير رسمي، أما تلك التي ترتبط بها علنا وعلى أساس من معاهدات (السلام) فأمرها قديم، ويعلم تعاونها مع الاحتلال كل فلسطيني، ولاسيما التعاون ضدّ حماس وأعضائها ونشاطها، ولكن ارتباطها بـ (إسرائيل) أخذ دفعة هائلة مع مجيء عبد الفتاح السيسي، الذي لم يعد خافيا أن مجيئه كان إسرائيليّا أكثر مما كان شأنا مصريّا.
أعاد نتنياهو التصريحات نفسها في لقائه ترامب في واشنطن في وقت سابق من هذا العام، وأخذت الأوساط الصحافية الغربية تتحدث عن تحالف إقليمي شرق أوسطي يضم الدول العربية إلى جانب (إسرائيل)، وبدأت التسريبات تكشف عن مقترحات لعبد الفتاح السيسي لحلّ القضية الفلسطينية، هي على الأرجح مقترحات إسرائيلية، سمّاها السيسي في وقت لاحق بـ"صفقة القرن".
"صفقة القرن" احتاجت مصالحة مصرية سعودية تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، واتكأت على هلع الدول الخليجية من لحظة السيولة والتحول التي جسدتها الثورات العربية وارتداداتها، وبالتأكيد من التمدد الإيراني في الفراغ العربي، والذي أحاط بالجزيرة العربية، وأما مصر فرئيسها الحالي مجرد أداة إسرائيلية لا أكثر، والثمن المدفوع لتسكين المخاوف الخليجية، وبالإضافة إلى مئات المليارات، هو تصفية القضية الفلسطينية.
بيان القمة رفع الستار الكثيف عما يُدبّر إسرائيليّا ويُنفّذ أمريكيّا، فأعلن عن تأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي". بعبارات دقيقة جدّا يمهّد البيان لدمج (إسرائيل) في التحالف الذي يجري الحديث عنه منذ مطلع هذا العام على الأقل، بصفتها دولة شرق أوسطية، طالما أنها غير عربية!
بيان القمّة لم يأت على ذكر القضية الفلسطينية، ولكنها الحاضر الأهم في كواليس الترتيبات، وإهمالها نصّا يعني قطعا أنها ليست قضية الدول العربية، وطالما أنها لم تعد قضية الدول العربية، وأن قضايا هذه الدول باتت تنحصر في (الإرهاب) ومواجهة إيران، فإنه يمكن التضحية بتلك القضية لصالح القضايا الجديدة.
(الإرهاب) الذي لم يجر تعريفه في القمة، في مفارقة لافتة، إذ احتلّ المساحة الأوسع من البيان دون الاتفاق على ماهيته، هو مُعرّف بالضرورة حسب تصورات اليد العليا في الأمر كله، أي اليد الأمريكية، التي تُعرّف حماس حركة إرهابية، وتُنظّم تحالفا إقليميّا وفقا لرؤية بنيامين نتنياهو، ومؤسسته الأمنية التي جاءت بعد الفتاح السيسي، وفعليّا فإن العديد من الدول العربية تلاحق حركة حماس وعناصرها، بحظر حركتها، ومصادرة أموالها، وضرب استثماراتها، تماما كما تفعل (إسرائيل)، مع فارق بسيط متعلق بالإعلان الرسمي عن ذلك، والترسيم القانوني لذلك!
هل سينجح هذا الترتيب في تصفية القضية الفلسطينية وتحطيم حركة حماس؟! قد نعاني.. أمريكا تدرّب فريقها جيدا، الفريق الأمريكي، والصهيوني منه، قد يسدد الكرّة بتخطيط وتركيز وإتقان، لكن أحدا من البشر على مسرح التاريخ لا يمكنه أن يضمن اتجاه كرته وارتداداتها.
عربي 21