قائمة الموقع

كُن صادقًا.. "كذبة نيسان" من خصال النفاق

2021-04-11T10:23:00+03:00
صورة تعبيرة عن عدم الكذب.jpg

حينما تتأمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة تجده لا يقول إلا حقًّا حتى في مزاحه، فمرة قالت امرأة عجوز مسلمة: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ". قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي. فَقَالَ: "أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً"".

فهذا الموقف يؤكد حرصه على الصدق حتى في المزاح، أي أنه ليس يبرر للكذب كما يفعل البعض بحجة الضحك والتسلية والمقالب الساخرة خاصة في شهر إبريل، إذ اشتهر بـ"كذبة نيسان"، ذلك جعل البعض ينظر لهذا الشهر فرصة له لذلك الأمر الذي يجعل الناس تقع في الخديعة، ويتسبب بأذى لهم.. فكيف ترى الشريعة الإسلامية ذلك؟ وهل اشتهار "كذبة إبريل" يمنع حكمها في الشرع؟

ذم الكذب

عند التأمل في الشريعة الإسلامية تجدها أشد الحرص على الصدق، إذ يقول عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. تيسير إبراهيم: "إن الكذب صفة ذميمة في ذاتها، وإذا ترتب عليها ضرر كتضييع حق إنسان ازداد إثم صاحبها حتى تبلغ الكبائر مثل شهادة الزور".

وعن حقيقة الكذب يبين في حديثه لصحيفة "فلسطين"، بأنه الإخبار بالشيء على خلاف حقيقته، وما هو عليه من الواقع.

ويسترشد لذم الكذب بالعديد من النصوص الشرعية، منها قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" (غافر:28)، وقوله العزيز: "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ" (المطففين:10).

ولخطر الكذب فإنه ينافي الإيمان ويرجع ذلك إلى أن الإيمان تصديق والكذب خلاف ذلك، لذا لا يكون المؤمن كذابًا، فالكذب يطعن إيمان المرء.

ويستدل على ذلك أيضًا بأنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا".

خصال المنافق

ولشدة خطر الكذب، يؤكد إبراهيم أنه من خصال المنافق لما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذا خَاصم فجر".

ومما سبق يتبين أن الكذب هو كذب سواء كان في نيسان لما تسمى "كذبة نيسان" أو غيره من الأيام.

وكثير ما يؤدي الكذب إلى مشاكل كبيرة ومنها التفريق بين الزوجين، وإنهاء شراكة عمل والخلاف بين أفراد العائلة وغير ذلك، يقول إبراهيم: "إن من أسوأ آثار الكذب أنه يدمر العلاقات الاجتماعية، ويفقد الثقة بين الناس".

والأخطر من ذلك حينما يكون الكذب على الله تعالى وعلى رسوله بقول شيء لم يقال في القرآن ولا في السنة ويزعم المتحدث كذبًا بأنه منهما، قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

حالات مرخص بها

وهنالك حالات جعلتها الشريعة الإسلامية رخصة في عدم قول الحقيقة في مواطن محددة، إذ يذكر إبراهيم أنها تتمثل في: الكذب على الأعداء في الحرب؛ لأن الحرب خدعة، وفي الإصلاح بين الناس حيث يسترشد بذلك أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا".

وأما المواضع الأخرى فإنها تتمثل بين الزوجين، فالكذب المباح بينهما هو ما كان مفيدًا لأحدهما أو لهما لكونه ينمي العلاقة بينهما ويزيد في الود والمحبة ونحو ذلك. أما إن كان في الكذب تضييع لحق المكذوب عليه منهما فهذا لا يجوز.

والآن لا تستصغر كلمة كاذبة حتى وإن كانت لمجرد المزاح، فالمسلم الحق يتصف بالصدق ولا يوجد في حياته "كذبة نيسان"، فالكذب لا يجمله الضحك والسخرية، فكم من كذبة أدت إلى الطلاق، وأخرى كانت سبب في موت إنسان، فالأمر أخطر مما قد تظن.

اخبار ذات صلة