قائمة الموقع

منصور شحاتيت.. "إفراج منقوص" بعد 17 سنة سجن

2021-04-11T09:49:00+03:00

طالت ليالي السجن وزادت حلكتها على مدار 17 سنة "أكلت" من جسد المفرج عنه حديثًا "راقات"، وحكمت على قلبه وعقله بالزج بين جدرانٍ أربعة، لا يرى فيها إلا نور أمل حاربه السجان آناء الليل وأطراف النهار.

منصور شحاتيت، عانق الهواء الطلق عند الإفراج عنه بعد كل هذه المدة من التغييب القسري خلف القضبان، لكنه لم يعانق أمه التي فرض عليه القهر الطويل نسيانها، ولو مؤقتا.

تقول والدته: "منصور تعذّب من اليهود (المحتلين) هم سبب كل اشي، عذبوا ابني وحطوه بالعزل، عذبوه نفسيا وجسديا".

ومنصور أسره الاحتلال في 11 مارس/آذار 2004، وحكم عليه بالسجن 17 سنة. وهو حكم طال آلاف الفلسطينيين على مدار العقود الماضية، ويواجه بعضهم أحكاما بعشرات المؤبدات، أما "التهمة" فهي أنهم فلسطينيون يرى الاحتلال أن من المحظور عليهم العيش في وطنهم، أو تنفس هوائه وشرب مياهه والبناء على أرضه.

حتى ارتداء النظارة بات مصدر قلق لمنصور، فعندما رأى أخاه يرتديها سارع إلى طلب خلعها، قائلا: إن السجانين كانوا يرتدونها ويُخوِّفون الأسرى بها، ويعذبونهم، وكان يعاني من صور الوحوش والأفاعي، وفق حديث والدته الذي ترك أثرا بالغا في نفوس الفلسطينيين، وانتشر كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي.

كان وجه منصور قبل أسره مدورا كرغيف خبز، ولكنه يبدو شاحبا بعد رحلة المعاناة التي تخللها –وفق هيئة شؤون الأسرى- التعذيب الشديد والعزل الانفرادي لفترات طويلة.

أدى ذلك أيضًا إلى إصابته بحالة من فقدان الذاكرة منعته من التعرف إلى عدد كبير من أهله وإخوانه، في مشهد أبكى جميع من كان في استقباله.

وزّع منصور النظرات على من حوله، عندما أٌفرج عنه من سجن النقب الصحراوي ووصل إلى حاجز الظاهرية العسكري، حيث كان في استقباله عدد كبير من الأهالي والمواطنين، وهو يرقب مظاهر حياة حرمه الاحتلال إياها على مدار أكثر من عقد ونصف.

كأنه كان يتساءل في نفسه عن هذا الهواء الطلق لمَ لمْ يشمه من قبل؟ والسماء الفسيحة الزرقاء، والأرض الواسعة لمَ لمْ يرها من قبل؟ ولعله لم يكن يريد التمعن في الإجابة: "السجن"، التي تعيد إليه مرارة السنين.

"مصدقتش اني طلعت من السجن، مش عارف، مصدقتش، فرحة كبيرة"، يقص منصور على مسامع "محتضنيه" من أبناء شعبه في بلدة دورا بمحافظة الخليل ما تُيسر له نفسه.

كانت المسامع والأنظار كلها في الخليل وفي فلسطين، تتجه صوب هذا الإنسان الذي ضحى بزهرة شبابه لأجل وطنه.

تحدث منصور بعفوية عن ألمه ومصابه، لكنه أعاد فضح سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الأسرى، وأدت إلى استشهاد العشرات منهم.

"غاد (هناك) رحت عند الدكتور (في السجن) قلتله عندي مشكلة في إيدي"، وكان منصور يشير إلى كتفه وصدره، فكانت إجابة السجان: "خود حبة أكمول".

ضحك منصور كأنما يطبق عمليا المثل الشعبي "شر البلية ما يضحك"، وكأنما حملت ضحكته آلام السنين الـ17، وهو يقول: "قال خود حبة أكمول! وضعي صعب كان".

قد لا يكون منصور وجد الكلمات التي تفي بالتعبير عن سيل الألم الذي يعتريه، لكنها امتزجت مع لغة جسده، ونبرة صوته التي تحمل عذابات وآهات كل لحظة ودقيقة وسنة: "كل حبستي في الزنازين الانفرادي، قضيت 17 سنة في غرف مغلقة"، قبل أن تفيض عيناه بالدمع، ويختنق صوته عندما أخبر الحاضرين بأن السجانين المحتلين، كانوا يضربونه.

حسم منصور أمره وهو يتحدث مع الناس عن سنين أسره، وحدد وجهته التي سيسعى إليها بعد تحرره: "بدي أعيد صحتي من الأول، ونفسيتي تكون أحسن، محدش يظلمني، أنا انظلمت في السجن كتير".

"الصبر زين"، قاعدة يعرفها منصور جيدا فهو الذي طبقها بحذافيرها طيلة أسره، وإنْ كان تحمل من المرارة ما تحمل.

خاطبه أحدهم بقوله: "أنت رجل"، فكانت الإجابة حاضرة سريعا: "صبرت أنا، طلعت من السجن عزيز نفس مش مذلول، حاربت عشان إخواني وأهلي ووطني، كل حياتي مطاردة عشان وطني".

لكنّ منصور وإنْ أُفرج عنه جسدا، فمن يفرج عن سنوات عمره التي "سرقها" الاحتلال؟ وذاكرته التي نهشتها قضبان السجن؟

اخبار ذات صلة