"تخيل أن تتوظف عام 2000، وتُثبَّت بعد 5 سنوات، وبعد مرور عامين تُحرَم راتبك بسبب تقرير كيدي، ومن ثم فصلي تعسفا بعد 13 عاما وحرماني راتبي، ثم تأتي اللجنة المركزية لحركة فتح لتدّعي أنني على رأس عملي، وعليه فلا يحق لي الترشح للمجلس التشريعي!".
الموظف المرشح للانتخابات التشريعية طارق شمالي الذي نشر تلك التفاصيل قُدم ضده اعتراض على ترشحه أمام لجنة الانتخابات، رغم تقديمه استقالته من عمله في وزارة الصحة بغزة بتاريخ 28 مارس/ آذار 2021، وإقامة حفل تكريم له.
وأضاف شمالي: "إن كنت ما زلت على رأس عملي حسب معلومات وقيود ديوان الموظفين في رام الله، فإنني أطالب بصرف مستحقاتي كاملة من تاريخ قطع الراتب وحتى الآن، واعتذار الحكومة في رام الله عن هذا العبث وتوضيح هذا التناقض للرأي العام".
النموذج السابق من عشرات القضايا التي تفتح الباب أمام تلاعب السلطة بالسجل الوظيفي للموظفين الذين فصلتهم وقطعت رواتبهم، ومن ناحية أخرى تبرر حركة فتح تقديم اعتراضها عليهم بأنهم لا يزالون على رأس عملهم لبقاء أسمائهم في سجلات ديوان الموظفين.
مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه، دعا في حديث لصحيفة "فلسطين" المرشحين المفصولين المعترض عليهم إلى إحضار ما يثبت عدم تلقيهم رواتبهم من خزينة السلطة، وتقديمه من خلال محام إلى محكمة الانتخابات، في حال عدم توفر كتاب فصل، إذ إن النص القانوني واضح للموظف المطلوب تقديم استقالته بأنه "كل من تلقى مخصصا ماليا من خزينة السلطة عليه أن يقدم استقالته".
وعلمت صحيفة "فلسطين" من مصادر أخرى أن الاعتراضات البالغ عددها 232 اعتراضا، قُدمت في الساعة الأخيرة، وغالبيتها بين قوائم حركة فتح، وخاصة بين قائمتي "المستقبل" و"العاصفة".
وكشفت المصادر أن قائمة تيار حركة فتح- محمود عباس قدمت 8 اعتراضات على 8 مرشحين في قائمة "القدس موعدنا" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى جانب 90 اعتراضا ضد قائمة تيار حركة فتح- محمد دحلان الذي قدم أكثر من هذا العدد من الاعتراضات ضد مرشحي قائمة عباس، في تحدٍّ واضح يهدد القائمتين.
اعتراضات كيدية
ووصف الخبير القانوني د. صلاح عبد العاطي الاعتراضات بـ"الكيدية" التي لم تحترم فيها السلطة مبدأ سيادة القانون، حيث إنها قطعت رواتب الموظفين العموميين ومسّت بحقوق وحريات المواطنين خلال فترة الانقسام.
وقال عبد العاطي في حديث لصحيفة "فلسطين" إن فتح تتذاكى على القوانين بإعادة موظفين مفصولين بمشهد انتقامي إلى السجل الوظيفي دون إعادة رواتبهم السابقة بأثر رجعي، بل والاعتراض على ترشّحهم على أنهم لا يزالون على رأس عملهم، رغم كل ما يشير إلى أن هؤلاء الموظفين قد قُطعت رواتبهم وأُحيلوا إلى التقاعد وأوقفوا عن العمل، أو مُسَّ بحقوقهم الوظيفية.
وأضاف: "حذرنا من مسار إجراء الانتخابات دون توفير كل ضمانات إجرائها بالشكل القانوني والقضائي والسياسي"، مؤكدا أن مرحلة الاعتراض تعد الأهم والأخطر "لكن يبدو أن الهدف هو إسقاط بعض القوائم أو الأشخاص، وكان الأفضل لكل القوائم التزام ميثاق شرف ومبدأ سيادة القانون، واقتصار اعتراضها على ما ورد بالقانون بشأن العمر والاستقالة والمحكوميات".
تقدم بعض المرشحين إلى الانتخابات التشريعية وفق الأصول، لكن السلطة تستغل هذا الأمر للمساس ببعض القوائم أو محاولة النيل منها، وفق عبد العاطي، معربًا عن أمله أن ترفض لجنة الانتخابات الاعتراضات التي تحمل انتقاما سياسيا، وقصرها على الأشياء التي حددها القانون بشواهد وأدلة.
وعدَّ أن محكمة الانتخابات أمام اختبار حقيقي لضمان نزاهتها وحياديتها، دون المس بحقوق أي من القوائم أو المرشحين. وشدد على أنه "ما دامت السلطة تدّعي أن الموظفين لا يزالون على رأس عملهم، فلتثبت أنها دفعت رواتبهم عن السنوات السابقة"، عادًّا أنها قامت بجرائم بحق هؤلاء الموظفين، وهي التي ينبغي أن تحاسب وليس المرشحين عن هذه القوائم.
أن كل القرارات التي مست بحقوق الموظفين تعد انتهاكا جسيما لنص المادة (32) من القانون الأساسي الفلسطيني، الذي ينص على أن أي انتهاك قد يقطع على الحريات لا يسقط بالتقادم. وذكر أن محكمة قضايا الانتخابات لم يراعَ في تشكليها التوافق، إذ شُكِّلت بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى الذي يدور حوله الجدل لعدم مشروعيته، وهو ما يهدد مسار الانتخابات لعدم الاتفاق على البرنامج السياسي، وهذه الإجراءات تؤكد نية السلطة تنظيم انتخابات معلومة النتائج مسبقًا.
مستندات رسمية
ورغم ما ذكره عبد العاطي، فإن لجنة الانتخابات المركزية ستتعامل مع الاعتراضات وفق مستندات تثبت تقديم الموظف استقالته أو وجود ما يثبت فصله من وظيفته.
إذ يؤكد مدير المكتب الإقليمي للجنة الانتخابات في غزة، جميل الخالدي، أن الاعتراض حق لكل مواطن وفق القانون، لكن اللجنة تفاجأت بتلقي غالبية الاعتراضات في الساعة الأخيرة قبل انتهاء الموعد المحدد بموجب القانون. وقال الخالدي في حديث لـ"فلسطين" إنه فيما يتعلق بالاعتراض على مرشحين مفصولين من وظائفهم وما حدث من جدل، فإن اللجنة تستند إلى معيار واحد، وهو كشوف الموظفين من ديوان الموظفين فيما يتعلق بالخدمة المدنية، أما ما يتعلق بالجانب العسكري فيتم من خلال وزارة الداخلية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وأضاف: "نقوم بعمل فحص على سجلات الموظفين العسكريين والمدنيين ومطابقة الأسماء بالقائمة، وإذا ثبت اسمه بالقائمة فعليه تقديم استقالته، وإذا كان راتبه مقطوعا وظل اسمه في سجلات الموظفين فهذا ليس عمل اللجنة المجبرة على التعامل على هذا الأساس، فإن كان اسم المرشح في السجل بغض النظر إن كان يحصل على راتب أم لا فالأرضية التي نستند إليها كشف ديوان الموظفين".
وأردف: "ننتظر ما يثبت أن الموظف مفصول"، موضحا أن اللجنة تمهل الموظف 3 أيام لتقديم استقالته أو ما يثبت أن عمله انتهى، أو عليه إثبات ذلك أمام المحكمة، متمما: "نعلم أن هناك ظلما لكن ليس من اللجنة، وعليه فإن هذا يجب أن يكون فيه نوع من الحل على مستوى المرشحين كافة".