فلسطين أون لاين

تجاهل "حل الدولتين"

​ترامب يمنح "ضوءًا أخضر" لـ(إسرائيل) و"صفرًا" للسلطة​

...
ترامب يلقي كلمة له في مؤتمر صحفي عقب زيارته للأراضي المحتلة (الأناضول)
واشنطن-غزة/ نبيل سنونو

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طار من فلسطين، إلى الفاتيكان، تاركًا وراءه السلطة في رام الله فارغة اليدين بعدم إفصاحه عن خطوات عملية لتسوية تحقق "حل الدولتين" الذي تصبو إليه، بينما كان يشدد في القدس المحتلة، على ما أسماه "الارتباط التاريخي" للإسرائيليين بالمدينة، والدعم المستمر لـ(إسرائيل)، والوقوف إلى جانبها.

ترامب، الرجل السبعيني، اكتفى بنحو ساعة لزيارة بيت لحم ولقاء رئيس السلطة محمود عباس، فيما مكث في (إسرائيل) قرابة 30 ساعة، دنس خلالها حائط البراق الواقع ضمن المناطق المصنفة دوليا، على أنها محتلة.

وعلى وقع تصفيق كبار مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي، وبينهم نتنياهو داخل متحف إسرائيلي في القدس أمس، تغنى ترامب بما زعم أنه رغبة نتنياهو "بالسلام"، متعهدا بحماية (إسرائيل) من صواريخ حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في حين أنه لم يأت أبدا على ذكر جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

إنه "ضوء أخضر" لـ(إسرائيل)، هذا هو تفسير مستشار الشؤون السياسية لمركز "مريديان" في واشنطن، خالد صفوري، لرسائل ترامب التي بعثها في خطابه، موضحا أنه على أرض الواقع "لا شك أن أعمال الاستيطان ستتصاعد ولن تتوقف، وعدوانية (إسرائيل) في التعامل مع الفلسطينيين ستزداد".

ويقول صفوري لصحيفة "فلسطين"، إن ترامب لم يعط رسالة يوقف فيها المستوطنات، أو ما يؤدي إلى "حل الدولتين"، وحتى الصحف الأمريكية قالت إنه لن يذكر ذلك في كل خطاباته.

وفي خطابه، نحّى ترامب جانبًا، أي حديث عن الاستيطان، و جدار الفصل العنصري، واستمرار الاحتلال، ولم يكتف بذلك، بل تجاوز السياسة الأمريكية الرسمية التي اتبعتها الإدارات المتعاقبة، ولم يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية وفق ما يعرف بحدود 1967.

ويرى صفوري، أن ترامب ليس لديه تصور للتسوية، وحتى في سياساته الداخلية في الولايات المتحدة يتحدث "بمانشيتات عريضة" وبكلام لكن ليس لديه تفاصيل، وهو شخص معروف بعدم حبه للتفاصيل، فهو يتكلم ويترك الأمور لمهب الريح.

"لهذا فإن الاعتقاد بأن لدى ترامب خطة هو اعتقاد خاطئ. إنه يعتقد أنه عبقري وصانع صفقات تجارية كبيرة، وأن مشاكل العالم مشابهة للصفقات التجارية، ولهذا في النهاية كل كلامه سيكون خاطئا لأنه مبني على تحليل خاطئ"؛ والكلام لا يزال للمستشار السياسي لمركز "مريديان".

ويُذكَر بأنه منذ بداية مجيء ترامب للحكم في يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت سلطات الاحتلال بناء مستوطنات جديدة كانت قد أوقفتها بسبب ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

لكن ترامب، بحسب صفوري، "أحاط نفسه بمجموعة من اليهود المتطرفين في إدارته، سواء المبعوث الذي عينه للشرق الأوسط، أو سفير الولايات المتحدة الجديدة في (تل أبيب)، الاثنان معروفان بتطرفهما، وحتى الجالية اليهودية انتقدتهما، لأنهما كانا ينتقدان الجالية اليهودية الأمريكية، وعملية السلام، بالتالي من يمثلون ترامب في (إسرائيل)، هم من المتطرفين".

وبشأن حديث الرئيس الأمريكي عن القدس، يشير إلى أن مساعدي الأخير، وحتى كاتب خطاباته جيسون ميلر، كبير مستشاري ترامب الإعلاميين، هم من "اليهود اليمينيين" الذين بنوا تاريخهم السياسي في اعتراضهم على عملية التسوية، و"حل الدولتين"، لذا يجب عدم توقع غير ذلك منهم، لأنهم هم الذين يكتبون خطاباته، ويعطونه الرأي والنصيحة.

وعما إذا كان ترامب قد يوفي لـ(إسرائيل) قريبًا بوعده الاعتراف بالقدس "عاصمة لها"، يقول صفوري: "لا أعتقد أن هذا وارد الآن؛ هناك اعتراض من وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي قال لمجلس الشيوخ خلال المرافعات إن سفارة (إسرائيل) يجب أن تبقى في (تل أبيب)".

ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن رؤية ترامب بشأن التسوية ترمي إلى "دمج (إسرائيل) في المنطقة" وتطبيع الدول العربية معها، لا سيما أنه تحدث خلال مؤتمر صحفي جمعه بنتنياهو في فبراير الماضي، عما وصفها "مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تتضمن الكثير من الدول".

لكن صفوري، يؤكد أن الدول العربية التي يقصدها ترامب، "بحاجة لثمن تغطي فيه تنازلاتها لـ(إسرائيل)، وإذا لم يكن نتنياهو مستعدا ليعطي هذا الثمن، لن تستطيع هذه الدول أن تتنازل وتعطي ما تريده الإدارة الأمريكية".

وعما إذا كانت السياسات التي أفصح عنها ترامب، "تضع السلطة في الزاوية"، يؤكد أن "السلطة هي التي تضع نفسها في هذه الزوايا، هي كانت تعتقد مع مجيء كل إدارة أمريكية أن المشكلة حُلَّت، وبعد ذلك تصاب بخيبة أمل. هذه السلطة عودتنا على نفس الأداء الذي يعتمد على الخارج من أجل حل مشاكلها".

"تبني الرواية الصهيونية"

ومن الواضح للنائب العربي في "الكنيست" الإسرائيلي، عايدة توما، أن "الهدف الاستراتيجي الأكبر الذي جاء ترامب من أجله للمنطقة هو إقامة ما أسماه تحالفا ضد الإرهاب، وهو عمليا تحالف بين الرجعية العربية والولايات المتحدة، يبحث فيه ترامب عن مكان لـ(إسرائيل)".

وتقول توما، لصحيفة "فلسطين"، إنه "حتى يُسَهِّل ترامب هذه العملية أمام حلفائه من الأنظمة الرجعية العربية"، فإنه يريد العودة إلى طاولة المفاوضات من أجل المفاوضات، أو من أجل ما أسماه صفقة مرحلية، وليس حلا حقيقيا ينهي الاحتلال.

وتتابع: "واضح أن رسائل ترامب كان فيها تبنٍ للرواية الصهيونية، وفيها إشادة بهذه الرواية، وتجاهل تام للشعب الفلسطيني وروايته"، مشددة على أن وصف ترامب مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بأنها "إرهاب"، هو "شيء خطير".

وإذا كانت هناك أسئلة ملحة، فإن منها: كيف سيتعامل الفلسطينيون مع انحياز ترامب للاحتلال الإسرائيلي؟ وفي هذا الصدد تؤكد توما أن "الشعب الفلسطيني يعلم أن الفرج لن يأتي من إدارة ترامب والحكومة اليمينية الفاشية الإسرائيلية، والانهيار في الإقليم".

وتشير إلى ضرورة اعتماد الفلسطينيين على وسائل نضال أخرى، وليس الاكتفاء بالمعادلة القائمة التي تنتظر من الولايات المتحدة أن تحرك ساكنا، فواشنطن لم تكن يوما طرفا محايدا في القضية الفلسطينية؛ وفق العضو العربي في "الكنيست".

وصحيح أن ترامب لم يفصح عن آليات للتسوية، لكنه أوضح جليا قواعد سياسته في الانحياز لـ(إسرائيل)، في مشهد يُذكر بالفشل الذريع الذي مُنيت به السلطة في بحثها منذ نحو ربع قرن، عن تسوية عبر الولايات المتحدة، ليبقى السؤال: هل ستقبل السلطة بفشلٍ آخر؟ أم أنها ستفهم أن الوقت قد حان "لقلب الطاولة"؟