لم تكتفِ (إسرائيل) بمجزرتها التي نفذتها العصابات الصهيونية "الأرغون، إتسل، البالماخ والهاغاناة"، بحق المواطنين الفلسطينيين في قرية دير ياسين الواقعة غرب مدينة القدس المحتلة، في مثل هذا اليوم قبل أكثر من 70 سنة مضت.
بل جاءت سنة 1980 لتطلق أسماء تلك العصابات على أماكن داخل القرية بعد أن أعادت البناء فوق المباني الأصلية للقرية.
فجر التاسع من أبريل/ نيسان لسنة 1948، هاجمت العصابات الصهيونية القرية هجومًا مفاجئًا ودون سابق إنذار، وقتلت غالبية من كان فيها في محاولة لاحتلال قريتهم.
كانت قرية دير ياسين تقع على تل يبلغ ارتفاعه نحو 800 متر، وتبعد نحو كيلومتر واحد عن النواحي الغربية للقدس المحتلة.
وبحسب مؤرخين، فإن التغلغل اليهودي بدأ في قرية دير ياسين عام 1906، وحصّنت قوات الإمبراطورية العثمانية مرتفعات دير ياسين ضمن منظومة الدفاع عن القدس، واقتحمتها قوات الجنرال "اللنبي" عام 1917؛ ما جعل القدس المحتلة تسقط في أيدي الحلفاء.
وإلى جانب موقعها الاستراتيجي، تمتعت دير ياسين بحركة اقتصادية لافتة قبيل الانتداب البريطاني وبعده، كما شهدت نموًا ديموغرافيًا ملحوظًا، حيث ارتفع عدد السكان من نحو 428 نسمة عام 1931، إلى 750 عام 1948.
وفي تفاصيل المجزرة، فإن عصابة "الأرغون" التي كان يتزعمها "مناحيم بيغن" الذي انتخب رئيسا لوزراء الاحتلال 1977-1983، ومجموعة "شتيرن" التي كان يترأسها "إسحق شامير" الذي انتخب رئيسًا للوزراء 1983-1992، بدعم من "عصابة البالماخ".
وبحسب المصادر التاريخية، فإن الهجوم على القرية بدأ فجرًا عندما اقتحمت قوات العصابتين الصهيونيتين القرية من جهتي الشرق والجنوب ليفاجئوا سكانها النائمين، لكنهم ووجهوا بمقاومة من أبناء القرية؛ ما دعاهم إلى الاستعانة بعناصر "البالماخ" الذين أمطروا القرية بقذائف الهاون، وهو ما مهد الطريق لاقتحام القرية.
وتحكي المصادر أن عناصر "الأرغون وشتيرن" كانت تفجر البيوت وتقتل أي شيء يتحرك، وأوقفوا العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب إلى الجدران وأطلقوا عليهم النيران.
كما سُجل حرص تلك العصابات على تشويه جثث الشهداء ببتر أعضائهم، وبقر بطون الحوامل.
واقتيد نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطاف العصابات بهم شوارع القدس كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديمًا، ثم أعدموهم رميًا بالرصاص.
وعدَّ الباحث في شؤون اللاجئين المؤرخ د. غسان وشاح، أن مذبحة دير ياسين من أقسى التجارب التاريخية التي مر بها الشعب الفلسطيني.
وأكد د. وشاح في حديثه لـ"فلسطين" أن هذه المذبحة شكلت مقدمة لأحداث النكبة التي حدثت في تاريخ الشعب الفلسطيني، وتسببت بتهجير أكثر من نصف مليون مواطن من أراضيهم داخل وطنهم وفي الشتات أيضًا.
وأشار إلى أن خطة "ديفيد بن غوريون" أول رئيس وزراء للاحتلال، هي مهاجمة القرية من 3 جهات وقتل كل من يصادفوه في القرية، واستخدام سياسة الأرض المحروقة، بهدف إبادة القرية لبث الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة في إطار الحرب النفسية ضد المواطنين.
وبين أن الوثائق تفيد بأن "العصابات الصهيونية" قتلت ما بين 300-400 مواطن داخل القرية، معظمهم من النساء والأطفال.
ونبَّه المؤرخ وشاح إلى أن (إسرائيل) بعد ارتكابها المجزرة لجأت إلى ضم القرية إلى مدينة القدس المحتلة، محاولة بذلك إلغاء اسم قرية دير ياسين عن الخارطة الجغرافية لفلسطين.
وذكَّر بمقولة شهيرة قالها "مناحيم بيغن"، وتعني أنه "لولا دير ياسين لما وُجدت (إسرائيل)"، في إشارة إلى حجم المكاسب التي حققها الاحتلال في فلسطين بعد أن بث الرعب في نفوس المواطنين في إثر بشاعة المجزرة ضمن استراتيجية الاحتلال آنذاك في القتل العمد وعدم الرأفة بالنساء والأطفال.
وأكد أن دير ياسين عنوان مهم في تاريخ "الصهيونية" وجبروت وهمجية عصاباتها، عادًّا أن الإسرائيليين بجريمتهم هذه فاقوا جرائم المغول في العصور الوسطى.
غير أن وشاح شدد على أن الشعب الفلسطيني وبحجم أدوات السفك التي استخدمت ضده والجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت بحقه، إلا أنه ما زال متمسكًا بحقه بأرضه المحتلة التي هجر منها قسرًا، ولديه الحيوية اللازمة لتجعله قادرًا على البقاء.