فلسطين أون لاين

الخضري.. غائب في بلاد الحرمين

تواصل السلطات السعودية اعتقال محمد صالح الخضري البالغ من العمر "81" عاما دون توجيه أي تهمة. الخضري اعتقله جهاز مباحث أمن الدولة السعودي، على الرغم من كبر سنه وشدة مرضه لكونه مصابًا بالسرطان، إلا أن السلطات السعودية لم تراعِ ظروف المرض بأي صورة، ولم تقدم رواية واضحة عن سبب الاعتقال.

فمنذ اعتقاله في 4 أبريل/ نيسان 2019 انقطع الاتصال به نهائيا ولم تسمح السلطات السعودية بزيارة الخضري، وعلى أثر ذلك طالبت عدة منظمات دولية الجهات الرسمية في المملكة بالإفراج الفوري عنه، في حين صدرت عدة مناشدات أخرى لتحسين ظروف اعتقاله في ظل تواتر الأنباء بشأن تدهور حالته الصحية نتيجة الإهمال الطبي وسوء ظروف الاعتقال، فضلا عن التعرض للتعذيب المستمر.

حركة حماس بدورها استهجنت اعتقال الخضري موضحة أن الخضري كان مسؤولا عن إدارة العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمن، وأن الاعتقال طال عددا من أبناء الشعب الفلسطيني، حيث لم تُجدِ كل المطالبات والمناشدات للإفراج عنه، وعن باقي المعتقلين الفلسطينيين.

الخضري كان مقيما في غزة، وهو من مواليد 1938 ودرس في جامعة القاهرة وتخرج من كلية الطب عام 1962، ثم عاد للعمل في مجمع الشفاء الطبي بغزة لفترة بسيطة، ثم غادر إلى الكويت ليعمل في شركة طبية خاصة، ثم التحق بالجيش الكويتي ضمن طواقم الأطباء، حيث تميز في عمله وكان رئيسا لأحد الأقسام في المستشفى العسكري.

لكن ظروف الحرب العراقية الكويتية ألقت بظلالها على الفلسطينيين، فغادر الكويت متجها إلى الأردن عام 1990، ثم كلف بتمثيل حركة حماس في السعودية كمهمة رسمية بعلم السلطات السعودية التي كانت تعد عمله ونشاطه اعتياديا ولا يتعارض مع سياسات المملكة.

استمر الخضري في تقلد هذا المنصب لما يقارب عشر سنوات، وكان أبرز أنشطته جمع التبرعات لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وذلك بطرق رسمية ودون أي اعتراض من السلطات السعودية، وقد خضع للاعتقال أيضا نجله الأكبر "هاني" وهو خريج كلية الهندسة ومحاضر في إحدى الجامعات السعودية.

فحملات الدهم والاعتقال المتصاعدة بحق الفلسطينيين تنبئ بأن المملكة أصبحت تتخذ إجراءات قاسية وغير مبررة تجاه الفلسطينيين دون تورط أي منهم بأي فعل من شأنه الإضرار بسياسات المملكة أو أمنها القومي، فالسياسات التي تتخذها المملكة تتنافى مع كل المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتكشف عمق الأزمة السعودية تجاه قضية فلسطين خصوصا بعد أن أصبحت المملكة أرض الملاحقة والخوف.

ومن الواضح أن السعودية أقدمت على العديد من الخطوات في سياق التمهيد لإنجاح صفقة القرن وتقديم صورة مختلفة عن المملكة التي تحاول تقديم نفسها على أنها تحارب التطرف والإرهاب خصوصا ممن لهم ارتباطات بحركات التحرر الوطني أو من لديهم ارتباطات بحركات سياسية ذات توجه إسلامي، في إشارة لمغازلة الكيان الإسرائيلي وكسب رضاه وبالتالي الحصول على فيزا الدخول للبيت الأبيض من هذه البوابة كي تتربع المملكة في حضن الإدارة الأمريكية.

فما يجري ليس مستغربا في ظل استمرار هذه الحملة بحق عشرات الفلسطينيين وحتى العرب والسعوديين ممن يطالبون باتخاذ مواقف وطنية وعروبية لصالح القضية الفلسطينية ويحاولون توفير قنوات دعم للمقاومة أو حتى للعمل الإنساني، لكن المملكة ومن خلال هذه السياسات فإنها تخسر على الصعيد العربي في أنها تتراجع عن دورها الداعم والمساند للشعب الفلسطيني، وتعطي صورة غير لائقة أمام المنظمات الحقوقية الدولية وتقدم مادة دسمة للرأي العام الإقليمي والدولي بأنها تنتهج سياسات القمع والملاحقة وتقصي المعارضين وتستهدف الناشطين العرب والفلسطينيين، وتواصل العمل بسياسات مختلفة داخل مؤسساتها الأمنية والقضائية تتعارض مع أدنى المعايير الدولية، الأمر الذي يتطلب إجراء معالجة سريعة واتخاذ خطوات كفيلة بإنهاء موجة الاستهدافات الممنهجة والعمل على تغيير الصورة النمطية التي ترسخت عن المملكة أمام الرأي العام العربي والإسلامي وأمام المنظومة الدولية التي باتت توجه انتقادات متكررة لسياسات المملكة في هذا السياق.

إن حاجة السعودية للعب دور إقليمي مهم في المنطقة تتطلب مراجعة شاملة لسياسات المملكة بحق الفلسطينيين، والتضامن مع قضاياهم، لكون هذه القضية مركز الصراع والملف الأبرز في المنطقة، ومن خلالها يمكن للسعودية القيام بدور فاعل ومؤثر يكسبها ثقلًا غير عادي، وهذا ما سيجعلها محط تقدير واحترام الأسرة الدولية، وبالتالي فإن المملكة ليست في سعة من أمرها، خصوصا في ظل تسابق عدد من الدول للعب دور سياسي فعال في المنطقة، وهذا ما يفرض الانفتاح على كل المكونات العربية والإسلامية، والبدء في تفكيك معظم الخلافات، وإعادة بناء تحالفات جديدة تزيد من تعزيز العمل العربي والإسلامي المشترك بحيث تساهم المملكة في دور تاريخي يؤدي لإنهاء الوصاية الأمريكية على المنطقة وإفشال المشروع الصهيوني.

وهذا بدوره سيقدم المملكة على أنها الدولة الأهم، بل العنوان الرئيس للمنطقة والحصن المنيع الذي يحمي أمتنا بعيدا عن المسارات الأخرى التي تضر المملكة وتنال من مكانتها، لذلك فلتسارع قيادة المملكة للإفراج الفوري عن جميع المعتقلين الفلسطينيين الأبرياء الذين يؤمنون تماما بأن المملكة وطنهم وبلدهم الثاني الذي يمكن أن يقدموا له ومن أجله أعمارهم وأرواحهم.