قائمة الموقع

"أيمن العتوم".. أغاظ السجان بقلمه فجاءت ولادته الروائية

2021-04-04T08:45:00+03:00

في أسلوب تعامله "عفوية" غير مصطنعة، وخلف ملامحه ريشة الكلمات التي تَرسمُ حياته، أما عالم الأضواء فلا يبهره الوقوف أمام الكاميرا، نشأ في قرية سوف، التي تقع شمال غرب محافظة جرش الأردنية، وهي قريةٌ جبالها تُعانقُ السماء، ووديانها تفيضُ بالماء، ترعرع بين أحضان الطبيعة، واستمع لأصواتها، وفي أثناء حركة الأشجار في ليلةٍ باردة، امتلك زمام الحرف، توسَّعت مداركه الخيالية، وقال ذات همس: "أنا أمير القوافي، وهي شاردة، فكيف وهي على الأبوابِ تعتكفُ"، أصابه الهوس في حُبِّ اللغةِ العربية والانتماء لها، كتب العديد من الروايات والقصائد الشعرية، وعبَّر عن الكتابةِ بأنها شفاء من داء الشعور، وعندما قالوا له: إن الأدب لا يُطعم خبزًا وهذه شكوى تكاد تكون عامة، فأجاب: "ليس مفروضًا بالدرجةِ الأولى أن يُطعمنا الأدب خبزًا، ويكفي أننا به تتكامل إنسانيتنا، ومن خلاله ترقى مشاعرنا وتُضيءُ شموعه الدروب للسائرين الذين أنهكهم اللهث خلف السراب".

الشاعر والروائي الأردني أيمن العتوم (49) عامًا، عاش في طفولته بين فراشات الطبيعة، ما ساهم في خلق تجربة أدبية زاخرة بالبلاغة -لا سيما في أدب السجون-.

"صحيفة فلسطين" حاورت العتوم عبر الهاتف من مكان إقامته في العاصمة الأردنية عمان، لتتطلع على محطاته الأدبية والشخصية.

"تعويذة الكتاب"

يستهل أيمن حديثه: "علاقتي مع الكتب قديمة جدًّا، والمكتبات التي مرّت في حياتي أكثر مِن أنْ تُحصى مُذْ كُنتُ في الصف الأول ابتدأت علاقتي تتوطد مع المكتبات، علاقتي مع الكتب علاقة مودة، كان الكتاب هو التعويذة التي تُنقذني من الموت؛ فكنتُ أُكثِر من هذه التعاويذ، وعلاقتي مع المكتبات تبدأ ولا تنتهي.

لم يكن أيمن إنسانًا عاديًّا في حياته، بل كان طموحه أكثر من أن يُفكّر به الزمن، أما والده هو الذي صنع أيمن من كلمات، يقول أيمن في وصف أبيه: "الغبار على حذاء أبي يساوي مِلء الأرض مني".

هذا الرجل الذي عاش في ظلال اللغة مع أبيه، بمنتهى الفخر "المتواضع" يتابع حديثه: "تناغمنا أنا وأبي على إيقاع اللغة، وظلَّ يموسق هذا الإيقاع في أعماقي حتى أصبحت اللغة تجري في دمي".

ووصل هذا الشغف والهوس حدَّ الجنون في اللغةِ العربية فأَحبَّ أيمن أنْ يُكمل الماجستير والدكتوراة في اللغة، بعدما كان مهندسًا مدنيًّا فالرابطُ بين الهندسةِ واللغة هو البناء المُحكم بينهما.

"يسمعون حسيسها"

الكتابة عملية ليست سهلة؛ فأرواح الكُتّابِ تُحترق عند تحويل مشاعرهم إلى كلمات، في تجربته الروائية الثانية "رواية يسمعون حسيسها"، جسَّد الروائي أيمن السجون السورية، بجدرانها المتهالكة، وعذاباتها التي تشهدها أجساد السجناء، لم تكن مجرد كلمات في رواية عابرة في حياة العتوم، فحينما انتهى من كتابتها، رقد في فراشِ المرضِ مدة عشرةِ أيام، بسبب الأسى الذي تحتويه الرواية.

يقول أيمن: "الرواية ومشاهدها الداخلية أثَّرت فيَّ كثيرًا، وعشتُ كل أجوائها، أخذتُ هذا الشعور من خلال مقابلة السجين نفسه، عايشني هو الجو؛ لأنه كان محتاجًا إلى مَن يتحدّث معه، إضافة إلى أنني بخيالي استطعت أن أعيش الأجواء كاملةً وأعبِّر عنها باللغة".

السجنُ مدرسةٌ وانطلاقةٌ حقيقية، مكث أيمن في السجن ثمانية أشهر، أُلقيَ القبض عليه بعد أن ألقى إحدى قصائده؛ فكانت الولادة الروائية للعتوم من داخل السجن وبدأ برواية "يا صاحبي السجن" التي لاقت صدى عالميًّا.

بعد صمت تابع أيمن حديثه: "الحديث عن السجن هو حديث ذو شجون، صحيح لم أمكث في السجونِ طويلًا ولكنه أثَّر في نظرتي للحياة والأمور، كانت نقطة تحوُّل كبيرة جعلتني أفكِّر في قيمة تأثير ذلك المكان والتفكير في قيمة الحرية؛ فنتج عن ذلك خمس روايات تتحدث عن الحرية والسجن، رواية (يا صاحبي السجن، يسمعون حسيسها، اسمه أحمد، الطريق إلى جهنم، وأرض الله).

" البيت المُثقّف"

في أثناءِ الحوار، وجّهتُ له سؤالًا عن أكثرِ الأبيات الشعريةِ العالقة في ذهنه، فقاطع الحوار أصغر أبناء العتوم، الحُسين (5 أعوام)، مُكْملًا عن أبيه بيت الشعر:

بمَ التعلُّلُ لا أهلٌ ولا وطنُ

ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ

أصابتني الدهشة، فالصغيرُ في هذه العائلة شاعر، فكيف كبيرهم؟

يقول أيمن بنبرةِ الفخر: "ابني الحُسين فيه ملامح الروائي الوصَّاف، يُشبهني كثيرًا، ويرى الأشياء بعين مختلفة، أما ابنتي الكبيرة فاطمة قارئة ممتازة، تقرأ بكثرة، وابنتي أميمة هي شخصية الظل لأبيها، وأرى أن أحدهم مشروع أديب أو شاعر، وأفضل منّي".

ليس غريبًا أبدًا أنَّ هذا البيت المثقف يحتضنُ صغارًا مُثقّفين، تسري المفردات على لسانهم بِكُلِّ سلاسة وخفّة، لأنَّ والدهم صنع من بيته مكتبةً كبيرةً تحتوي أكثر من خمسين ألف كتاب.

ماذا قال العتوم عن غزة؟

بنبرةِ القوة والاعتزاز، قال أيمن: "غزة تعني الصمود، غزة تعني الاستهزاء بالعالم، العالم كُله يحاصرها وهي لا تُبالي، كأنما تركل العالم بحذائها هذا ما أراه في غزة، العالم يُضيّقُ عليها وهي تعيش طبيعية، وهذا شيء جميل، لا شك أنها مليئة بالكوارث والخطوب، هذا لا ينفي الحقيقة عن أهل غزة، ولكنهم يعيشون الحياة ببساطة".

"لم أدخل طوال حياتي في معارك جانبية مع أحد، ركَّزت على هدفي ومَضيت" تمسّك العتوم في هذا المبدأ ساعيًا لتحقيق كل أهدافه، فالإنسان الذي يُفكِّر بما يقوله الآخرون سيبقى يدورُ حول نفسه بلا هدف.

كان آخر ما قاله الروائي أيمن العتوم نصيحة للمبتدئين في الكتابة: "اقرأوا حتى يشيبَ الغراب".

 

اخبار ذات صلة