لم تعد تباينات التركيبة الفتحاوية غير المرتكزة على أيديولوجيا واضحة مصدر قوة للحركة، بل أدت إلى أزمات عبر مراحل عديدة، بدءًا من انشقاقات تاريخية بين القيادات، وصولًا إلى انقسامات حالية بين أقطابها وقواعدها، في توقيت حرج قبل الانتخابات العامة.
بالمرور على أبرز الانشقاقات التاريخية لفتح، فقد بدأت مع ولادة الحركة مطلع 1965، حينها سارعت قيادة جبهة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل وعلي بشناق، إلى الاندماج معها، وتم تشكيل مجلس طوارئ في دمشق، وانضمت إليهم "الجبهة الثورية لتحرير فلسطين" بزعامة يوسف عرابي، لكن جرى تفكيك هذا التحالف، بعد مقتل عرابي واتهام سوريا لقيادات من فتح بقتله في حي المزرعة بدمشق في 9/5/1966 في ظروف غامضة.
لحِق ذلك بعد تسع سنوات، انشقاق مسؤول حركة فتح في العراق، صبري خليل البنا (أبو نضال) مؤسس (حركة فتح/ المجلس الثوري)، وعرفت باسم منظمة "أبي نضال"، لكن فتح حكمت بإعدامه غيابيًّا عام 1974م، تلا ذلك بثلاثة أعوام، انشقاق عضو المجلس الثوري ناجي علوش، وانضمامه للبنا.
وفي مايو من عام 1983 انشقت مجموعة جديدة من قيادات فتح، بسبب الاختلاف مع القيادة الرسمية للحركة في تقييم مرحلة ما بعد بيروت وفي مسألة "محاسبة المقصرين في الحرب" الذين غادروا مواقعهم في اليوم الأول من الاجتياح الإسرائيلي في يونيو 1982.
بعد ذلك تمثلت جل الانشقاقات حول خلافات في وجهات النظر مع القيادة العليا للحركة، نظرًا لعدم وجود أيديولوجيا محددة للحركة، خاصة بعد اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) وإدخال خيار الحل السلمي من أجل تحرير فلسطين.
ومن التحولات الحديثة داخل الحركة، فُصل عضو اللجنة المركزية لفتح عضوية محمد دحلان عام 2011م، والذي قام على إثر ذلك بتشكيل "التيار الإصلاحي الديمقراطي" لفتح، وبدأ يتوسع التيار شيئًا فشيئًا خصوصًا في قطاع غزة.
بدورها مارست السلطة فصلًا تعسفيًّا ضد كل من ينتمي للتيار واتهمته بـ"التجنح".
وشكَّل دحلان قائمة لخوض غمار الانتخابات التشريعية، ومؤخرا اتحد ناصر القدوة الذي فصلته اللجنة المركزية من عضويتها مع الأسير مروان البرغوثي في قائمة موحدة لخوضه الانتخابات التشريعية.
وهذا يمثل من وجهة نظر مراقبين، تحديًا للقائمة الرسمية بزعامة محمود عباس في حصد عدد مقاعد ملموس في المجلس التشريعي أمام حركة حماس التي تحظى بجماهيرية شعبية وأغلبية برلمانية منذ الانتخابات الماضية التي جرت عام 2006.
فروقات شاسعة
بالنسبة للكاتب والمحلل السياسي بلال الشوبكي، فإن الفروقات شاسعة بين الانشقاقات التاريخية في حركة فتح وما يجري حاليًّا. إذ كانت سابقًا في بدايات التأسيس متعلقة بطبيعة العلاقة مع الإقليم والمظلة العربية لها، وليس في آلية التعامل مع الاحتلال، ولم تكن تلك الانشقاقات مؤثرة على القاعدة الجماهيرية للحركة كما يجري حاليًّا.
ويقول الشوبكي في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إنه في عام 2004م كان الصراع على النفوذ بين النخب السياسية بفتح والاختلاف في وجهات النظر، ثم بدأ ينتقل شيئا فشيئا إلى مستوى القاعدة الجماهيرية، وصولا لمرحلة فصل القيادي دحلان، والتي بدأت معها تظهر تيارات وشرائح.
لكن تلك التيارات لم يكن يتم الشعور بوجودها، كما تابع المحلل السياسي ذاته، في ظل غياب التجربة الديمقراطية، وما يحدث مؤخرا من تقديم قوائم منفصلة لقيادات من فتح كناصر القدوة، ومحمد دحلان، والأسير مروان البرغوثي، يعني أنهم لم يعودوا يحملون وجهات نظر متناقضة عن القائمة الرسمية لفتح، وإنما يعدون قيادات لديهم رصيد بجماهير فتح وهذا تعبير عن أزمة حقيقية تعيشها الحركة.
هناك من يحاول داخل فتح التخفيف من حدة الأزمة الحالية، وفق الشوبكي، بربطها بوجود قائمة منافسة للقائمة الرسمية عام 2006 سرعان ما جرى إنهاء الخلاف حولها والتوافق على قائمة موحدة، "فما يحدث حاليا خلاف واضح في القاعدة".
يصف الخلاف الحالي بـ"غير العادي"، فبعد أن تطور من الاختلاف في وجهات النظر إلى الانقسام ثم الاقتتال، لا يوجد ضمانات من عدم تحول الخلافات لأفعال "أمنية"، فتلك القوى ليس لها رصيد بين الجماهير فقط وإنما نفوذ بكل مؤسسات السلطة، وإن لم تستطع فتح لملمة أوراقها فهي مقبلة على تحدٍّ جديد ويتحتم على كل فلسطيني أن يدفعوا هذا النظام السلطوي.
مرحلة حرجة
أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، فيحدد أبرز ملامح الانشقاق في فتح، بخروج جماعة "أبو نضال البنا" من المجلس الثوري، وحركة فتح الانتفاضة عام 1983، وحدوث أزمة داخل فتح في إثر خروج مقاتلي منظمة التحرير من لبنان.
يشير عوكل في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الانشقاقات حدثت نتيجة التدخلات العربية، في حين يصف ما يحدث حاليًا بـ"الانقسامات والخلافات" التي لم تصل لمستوى انشقاقات، لأن المنقسمين يصرون على أنهم ما زالوا تحت عباءة فتح ولم يخرجوا منها ولم يطرحوا برنامجا سياسيا مختلفا، ويتحدثون عن نيتهم التغيير الداخلي، كنوع من النضال وقد يؤثر باتجاه تغيير واقع الحال.
وقال: "أمامنا مرحلة حرجة نسبيا وقد تكون الخلافات صعبة".
ويرى عوكل أن الانقسامات الحاصلة تأخذ طابعا احتجاجيا على بعض السلوكيات داخل فتح، ومعلوم أن الخلاف سابقا كان شخصيا بين عباس ودحلان، الآن انتقل الخلاف حول القوائم.