قائمة الموقع

اختر صديقك حامل المسك

2021-03-27T09:55:00+03:00
صورة تعبيرية عن الصداقة

من أجمل الصداقات التي ما زالت عالقة في قلبي كلما تذكرت الصداقة الطاهرة التي امتدت سنوات بين الإمام محمد بن إدريس الشافعي والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى، فكانت علاقة متينة ومحبة خالصة لله تعالى.

ومن المواقف الجميلة التي دارت بينهما، أن الإمام أحمد قد أصابه مرض شديد أرقده في الفراش، وبمجرد أن جاء الإمام الشافعي لزيارته، ووجده بهذه الحالة أصابه الحزن، الأمر الذي أمرض جسده في إثر ذلك.

والأمر لم ينتهِ بذلك فهذه المحبة أواصرها قوية جدًّا، ولما علم الإمام أحمد بذلك تماسك وجاهد نفسه حتى يستطيع أن يقف ويذهب لبيت الشافعي، وبمجرد أن رآه أخذ الفرح يهلل في قلبه، فأخذ ينشد

مرض الحبيب فزرته ... فمرضت من أسفي عليه

شفي الحبيب فزارني ... فشفيت من نظري إليه

فهذه الصداقة بمثابة قربة يتقرب العبد بها إلى الرحمن الرحيم، وينال بذلك الأجر والثواب ليس في الدنيا فحسب؛ بل في الآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَة يظلهم الله تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ... وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ...".

وهذا يتطلب منك أن تنتقي من العطر أجوده فأنت لا تحتاج إلى أي نوع من الصحبة؛ إنما الصحبة الصالحة التي تذكرك بالله (تعالى) وترشدك إلى الخير، وتوقظك في رنات هاتفك النقال إلى صلاة الفجر، وتأخذ بيدك إلى مفهوم الصدقة، وتعلمك تلاوة القرآن، وتذكرك بأن قلبك طيب وكبير قادر على أن يسامح من أغضبك، هذه الصحبة التي تحتاج إليها.. خاصة أنك في هذه الأيام الفضيلة من شهر شعبان، إذ تعرض الأعمال إلى الله (تعالى) وهو بها أعلم، فأنت بحاجة لمن يأخذ قلبك ويدلك للخير.

 أنت لا تحتاج إلى صحبة تجلس معها ساعات السهر وتلعب معها أوراق الشدة، وتلقي بزهر النرد، وتختنق أنفاسك من رائحة الدخان القاتلة، وترتفع أصوات ضحكاتك الهستيرية وتصاحبها الكلمات البذيئة، وقبل الفجر تأخذك حالة من "السطل" فلا تقوى على الصلاة، ويقول المؤذن "الصلاة خير من النوم" في الوقت الذي يرتفع فيه أصوات شخير نومك الغارقة في الشهوات، وإثارة الحياة الدنيا.

وكلما تجلس مع صديق تذكر فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".

وهنا أصبح لك الخيار إما أن تصاحب حامل المسك فتتعطر سيرتك بالخير، وإما أن تصاحب نافخ الخير فيحرق حياتك قبل ثيابك.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي بالمغفرة "َاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21).

اخبار ذات صلة