فلسطين أون لاين

عمر البرغوثي.. رجل من فولاذ

عمر البرغوثي "أبو عاصف" أحد مؤسسي كتائب القسام في الضفة الغربية وأبرز قياداتها الوطنية التي شكّلت ملاذًا للمطاردين، ومثّلت حضنًا دافئًا للفعل المقاوم انطلقت من خلاله الخلايا العسكرية المختلفة لتضرب الأهداف الصهيونية في كل الأماكن، رجل من "فولاذ" لا يمكن صهره بحرارة التعذيب، ويصعب ثنيه بالاعتقال، وهمّته لا تكسرها بوابات السجان، بطل مختلف من الزمان الجميل الذي يمتد أثره إلينا مع كل طلقة تخرج من قرى الضفة.

والتي تنبهنا أن بندقية عمر ما زالت حرة تتنقل في كل الأزقة في يد كل بطل، فالرجل القروي المناضل أفلح في محاكاة تجربة الزرع ليزرع لنا أشتالًا جميلة وخصبة في كل مناطق الضفة، وجدنا ثمرة بعضها، ولا يزال بعضها الآخر قنابل موقوتة تستعد لجولات قريبة، لا ندري ما هي وصيتها وما هي تكليفاتها، لكننا على يقين أنها عند أمانتها تبيت وعيونها وقلوبها معلقة بالقدس والأقصى.

فاليوم تبيت الضفة بل غزة والقدس وكل فلسطين في عزاء مؤلم ويخيم الحزن في النفوس والقلوب، فكثيرون يشعرون باليتم، ولا أقصد اليتم العائلي في حدوده المعروفة، لكنه يتم وطني كبير أفقد كثير من المناضلين أبًا كبيرًا، وعنوانًا وطنيًّا وحدويًّا يصعب تعويضه، تبكيه الجبال التي حفظت سره، وأنست إلى تسبيحه ودعائه ونشيده، وتستوحش غيابه الأشجار التي أخفت في ردائها وبين أضلاعها وجذورها سلاحه وعتاده، تفتقده الطيور التي تجندت لمرافقته في الحقول وتمنت أن تكون إلى جانبه دائمًا وهو ينثر لها الحب ويطعمها ويسقيها بحنان الأب.

لكنَّ عزاءها أن أبو عاصف ترك لها كنوزًا من المرابطين بين حقولها وجبالها وكل شبر فيها، فمن عرفه تجند تأثُّرًا بخلقه وحسن عشيرته، وأمن بفكرته، وتعهد بنصرة قضيته، أثرًا لم يكن عاديًّا للرجل أسيرًا كان أم حرًّا طليقًا، وكأن الله سبحانه ألقى على هذا الرجل القبول حتى يصبح أيقونة جميلة تلقى المحبة من كل من يعرفها، فهذه الشخصية المتدينة الهادئة تحمل قيمة ليست عادية، فإن شئت فسمِّه أيضًا جبل فلسطين أو رجل العزائم أو رجل الظل فكلها تدل على البطل عمر البرغوثي.

برحيلك أيها البطل ارتجفت القلوب وصُعقت النفوس، فالجبال أمثالك لا يمكن تعويضهم بسهولة في زمن الانكسار، لماذا تعجَّلت الرحيل في هذه اللحظة وما الذي جعلك تغادر مسرعًا، ألا تدري كم يشتاق إليك أبطال غزة، كم يشتاق للقائك أبطال الضفة، كم يشتاق إليك الأسرى الأبطال، والكثير الكثير، أخفيت سرك طويلًا وصمتَّ عما يدور حولك ولم تتوقف عن الابتسامة لأنك تعلم أن فلسطين مع موعد قريب مع التحرير.

قلي بربك يا سيدي كيف كنت تجنِّد الرجال، وكيف توصل هذه الخلايا ببعضها، وكيف استطعت أن تقدم المال والسلاح للمجاهدين، فالأنظار تطاردك والعدو يتربص بك لحظة بلحظة، ما هذا الإعجاز؟ هل كنت تسير في باطن الأرض، أم تتحالف مع الريح لتوصل الأمانة، أم أن أشجار الزيتون قد تجندت في خلاياك وخرجت عن طبيعتها وسكونها لتساهم في مهمات لا ندري كيف كانت تسير في وضع معقد؟!

ترحل اليوم وفي قلبك مستودع السر الذي أحاط بمعرفة واطلاع كبير على خفايا الفعل المقاوم، فقد كان أهون عليك أن يقتلعوا أسنانك وألا ينطق لسانك بما في جوف قلبك من أمانات الرجال، وقد فشل العدو مرارًا في كسر عزيمتك أو دفعك بأي صورة للاعتراف، حتى أيقن أن اقتلاع الأشجار من جذورها أهون من إخراج المعلومة من جوفك المحصن، فإلى رحمة الله ولروحك الطاهرة ألف سلام.