فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

العقوبة قد تصل إلى القصاص والدية

الاستهتار في الوقاية من كورونا مخالف لأحكام الشريعة

...
غزة-ريما عبد القادر:

لا تزال وزارة الصحة تدق ناقوس الحاجة الماسة لالتزام إجراءات السلامة والوقاية من جائحة كورونا، وبخاصة بعد ظهور سلالات لها في العالم، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الاهتمام، والشعور بالمسؤولية الفردية والمجتمعة.

ومؤخرا أوضح نائب المدير العام للرعاية الأولية بوزارة الصحة في غزة د. مجدي ضهير أن هناك زيادة مضطردة في تسجيل إصابات كورونا في القطاع، مضيفًا أن هذه الزيادة المستمرة تؤكد أننا دخلنا مرحلة ثانية من فيروس "كورونا" في القطاع.

ورغم ذلك فإن بعض المواطنين ما زال الاستهتار يظهر في سلوكهم، الأمر الذي قد ينتج عنه من أضرار ليس لهم فحسب؛ بل لأهلهم وأفراد مجتمعهم، وبذلك سيكون سببًا في إعلان حالة الطوارئ بعد ازدياد حالات الإصابة.. فما الحكم الشرعي لهذا الاستهتار، وما ينتج عنها من عقوبات؟

حفظ النفس

لقد جاءت الشريعة الإسلامية من أجل المحافظة على الكليات الخمس وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وعليه يكون حفظ النفس في مرتبة مقدمة، لأن الكليات الأخرى تُقوم على أساسه.

ويقول الشيخ المفتي محمد الطاهر المعروف باسم "ابن عاشور" رحمه الله تعالى:" إن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة".

ويبين أن حفظ النفس معناه صيانتها من التلف أفرادًا وجماعات، وذلك قبل وقوعه، كمقاومة الأمراض السارية، ومنع الناس من أن تدركهم العدوى.

وهذا ما يؤكده أستاذ الفقه وأصوله أ. د. ماهر الحولي لصحيفة "فلسطين"، مبينا أن الواجب الشرعي يتطلب من الجميع من أبناء الشعب الفلسطيني، وقاية أنفسهم وعدم الإضرار بها أو الإضرار بغيرهم.

وهذه الوقاية تعد استجابة لأمر الله تعالى، ويسترشد بذلك بقوله في كتابه العزيز:" وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة:125)، وبذلك يكون عدم التزام وقاية النفس، وإضرارها، هو إلقاء للنفس في التهلكة.

وهذا لا يتعلق في النفس فقط، إنما بالآخرين، إذ يقول: "يجب عليهم عدم الإضرار بأنفسهم وعدم الإضرار بالآخرين".

ويسترشد بذلك، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"

الجهات المختصة

وما زالت الجهات الصحية المختصة تدق الناقوس، فلا بد من الالتزام، إذ يتابع الحولي: "الوضع في قطاع غزة يتطلب التزام أسباب الوقاية والسلامة الصادرة عن الجهات المختصة من وزارة الصحة والداخلية وغيرهما".

ويردف: "هذا الالتزام من باب الواجب الشرعي، لأنه يؤدي إلى حفظ أحد الكليات الخمس، وهي النفس التي ترتكز عليها بقية الكليات".

ويلفت إلى أن هذا يتطلب من الجميع أن يستحضر قوله تعالى:" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة:2).

والوضع في قطاع غزة يتطلب عدم الاستهتار، إذ يبين أنه من أجل رعاية النفس والأبناء والمجتمع ككل، فإن هذا يتطلب خطوة جماعية بأن يكون الجميع أصحاب جرأة في اتخاذ القرار بالتزام معايير السلامة، وعدم الاستهتار مطلقًا.

مخالفة الأحكام الشرعية

ورغم هذه الحاجة إلى الأخذ بإجراءات السلامة، فإنه ما زالت هنالك فئة مستهترة، إذ يقول الحولي: "حقيقةً إن الاستهتار وعدم الالتزام، مخالفان لمقاصد الشريعة الإسلامية، بل إن الاستهتار يأخذ بصاحبه إلى الإثم والمعصية ومخالفة الأحكام الشرعية، وهذا يستوجب العقوبة الدنيوية والعقوبة الأخروية".

وبشأن هذه العقوبة، يشير إلى أن العقوبة الأخروية تتمثل بأنه يلحقه الإثم بهذا الاستهتار، وأما العقوبة الدنيوية فإنه يجب ردع كل من لا يلتزم أسباب الوقاية والسلامة ويساهم في نشر الوباء، في العقوبة المناسبة.

ويردف: "وكثير من الفقهاء ذهبوا إلى أن المتعمد في انتشار الأوبئة والمتسبب في وفاة غيره.. يُعاقَب، وقد تصل عقوبته إلى القصاص، وقد تصل كذلك إلى دفع الديات، وقد تصل إلى الغرامات وإلى السجن والتوبيخ، حسب ما يتناسب للردع".

والآن لا بد أن ندرك جميعًا أن هذه مسؤولية تقع علينا، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من تكاتف الجهود، فكل إنسان له دوره إما بارتفاع منحنى الإصابات والدخول في مرحلة الخطر، وإما انخفاض المنحنى بالتزام إجراءات السلامة، والحفاظ على نفسك وأهلك وأبناء وطنك.