رأى محللان سياسيان أن فريق "أوسلو" يواصل الانحدار السياسي في سبيل عدم السماح لأي مشروع وطني آخر بتسلم زمام الأمور، غير مستبعدَين قبول أطروحات سياسية ذات سقف أقل بكثير من اتفاق "أوسلو" و"حل الدولتين" على أساس دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.
وكان مستشاران لرئيس السلطة محمود عباس قد تحدثا في مقالين لهما عن دعوة لتبني هدف سياسي جديد يسعى لـ"سيادة ناعمة، مخففة" بدلًا من دولة فلسطينية كاملة، على أساس مشاركة الأردن ومصر في إدارة الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
تغيير المسار السياسي
المحلل السياسي تيسير محيسن اعتبر أن تصريحات مستشاري عباس عن القبول بدولة "بدون سيادة"، كونها صادرة عن أناس من ضمن الدائرة الأقرب لوضع أرضيات لقرارات مصيرية، قد تصل لدرجة تغيير المسار السياسي لقيادة السلطة والإسهام في وضع توافقات على قضايا وطنية أساسية، وأن ذلك مؤشر خطر.
وتساءل محيسن في حديث لصحيفة "فلسطين": "هل بات الواقع السياسي والأزمة التي تواجه مشروع فتح والسلطة الذي تضمنه اتفاق أوسلو غير قابل للتقدم بأي شكل من الأشكال ويصطدم بجدار صلب يعجز عن تخطيه، أم أن الأمر مجرد تلويح وجس نبض للشارع الفلسطيني حال طرح مشروع سياسي كهذا؟".
وعبر عن اعتقاده أن القراءة الاستراتيجية للواقع "تعطينا مؤشرًا على أن التفسير الأول هو أكثر واقعية، وأن قيادة السلطة باتت عاجزة عن تخطي معضلات المشروع السياسي لها"، موضحا أنها لا ترغب في إسقاط برنامج التفاوض، وفي الوقت نفسه ليس لديها بديل جاهز في ظل حكومة يمينية إسرائيلية تحظى بدعم دولي، وتواصل تهشيم الجوانب التأسيسية لمشروع أوسلو القائم على حل الدولتين على أرض الواقع حتى بات مستحيلا تطبيقه".
وأعرب عن خشيته أن يتبع هذه التصريحات بعد فترة من الزمن نوع من التماهي من قيادة السلطة معها في سياق البحث عن حلول خلاقة بديلة أو مكملة لـ"أوسلو" على قاعدة أن "ما لا يترك كله لا يترك جله"، وهي القاعدة المُتبعة سياسيًّا في التفكيك وتقسيم المقسم.
ورأى أن طرح مشاركة مصر في إدارة غزة والأردن في مراكز المدن بالضفة الغربية سيلاقي ترحيبا إسرائيليا كبيرا، فالاحتلال جاهز فورا لمناقشة شكل هذه الإدارة المحلية التي ستشارك فيها أطراف تربطها بها معاهدات سلام، ما يضمن عدم خروجها عن الإطار العام للعلاقة السلمية بينهما.
وفي الوقت ذاته فإن قيادة السلطة برئاسة عباس وفريق "أوسلو" لا يقبلون بتغيير وجودهم أو السماح بوجود مشروع يمكن أن يزحزح مكانتهم المرتبطة كليا بوجود الاحتلال حتى لو كلفهم ذلك تبديل الصياغات السياسية لمشروعهم التفاوضي أو الاكتفاء بالوصول لأهداف جزئية أقل من "حل الدولتين".
ووصف الهبوط عن سقف "أوسلو" بـ"المؤسف والمخزي"، وأنه يمثل عجزا سياسيا لفريق أوسلو ولن يكون له أي تبرير، معرباً عن اعتقاده أن إقحام مصر والأردن في هكذا مشروع سياسي يأتي لتخفيف عبء الاتهام الذي يمكن أن تجنيه السلطة حال قبولها بهذا الطرح مستقبلا.
انحدار سياسي
في حين رأى المحلل السياسي عصام عدوان أن الطرح السياسي الجديد نتاجًا لأطروحات سياسية قديمة قائمة على "كونفدرالية مع الأردن" أو "دولة منزوعة السيادة"، لافتا إلى أن الفريق التفاوضي طرح فكرة "دولة بدون سيادة" في مؤتمر كامب ديفيد الثاني على أساس أنها دولة منزوعة السلاح وليس السيادة على الأرض.
وتساءل عدوان في حديث لـ"فلسطين": "أين الدولة والسلطة حال القبول برعاية مصر غزة والأردن الضفة الغربية؟"، مؤكدا أن الانحدار السياسي للسلطة قد يصل بها إلى القبول بمشاريع كهذه.
وأضاف أن الاحتلال لن يقبل نهائيا وجود دولة موحدة في الضفة وغزة حتى لو كانت منزوعة السيادة، مشيرا إلى أن أي تواصل قد يقبل به سيكون له ثمن باهظ كالتنسيق الأمني.
وشدد على أن ذلك يجعل الحل الوحيد أمام الشعب الفلسطيني تفعيل منظمة التحرير والاتفاق على برنامج وطني موحد "يخرجنا من وهم السلطة التي لا تصل صلاحياتها لصلاحيات بلدية، في حين يملك الاحتلال زمام الأمور كاملة ويستبيح مدن الضفة ليلا ونهارا".
واعتبر أن فريق السلطة من قبل اتفاق "أوسلو" وسلوكه السياسي وصل مرحلة الحضيض، حيث أصبحت لديه القابلية لأن يقبل بما هو أسوأ من "أوسلو" في سبيل البقاء في مناصب هي في الواقع دون صلاحيات على الأرض.