قائمة الموقع

سلطات الاحتلال تنهي أحلام 4 عائلات مقدسية قبل أن تَكتَمل

2021-03-24T10:05:00+02:00
صورة أرشيفية

دموعٌ تهاوت أسفل قدميه، ترافق نظراته المتحسرة وهو يهدم بيته بيديه بمجرد أن غرزت الجرافة "باقر" أسنان ذراعها البرتقالي في الطابق الثالث من عمارة بناها بعرق وجهد متواصلين على مدار خمسة أعوام.

قضمت الجرافة الطابق الثاني ونهشت الأول والقواعد لاحقًا على مدار أيام عدة، حتى قبرت حلم أربع عائلات، إحداها عائلة المقدسي محمد صباح (35 عامًا).

جمع محمد وأشقاءه وصديقهم حلم واحد بأن يعيشوا في مسكن يتسع لأحلام أطفالهم بعد صراع مرير من المعاناة مع سلطات الاحتلال، لكن حتى هذا الحلم البسيط الذي أوشك على الانتهاء انهار قبل أن يكتمل.

إذ أجبرتهم سلطات الاحتلال على هدم البناء بالمحال التجارية بذريعة عدم الترخيص في المنزل الواقع بحي رأس "خميس" في القدس المحتلة.

بدأت قصة صباح، بعدما خاض صراعًا مريرًا مع سلطات الاحتلال في محاولة لترخيص منزله القديم في منطقة بيت حنينا في القدس المحتلة، أمضى بين أروقة المحاكم الإسرائيلية اثني عشر عامًا يحاول الحصول على مبتغاه، دفع خلالها مخالفة عدم ترخيص بنحو خمسين ألف شيقل، وأموالًا كبيرة للمحامين، دون جدوى ولا يزال البيت القديم مهددًا بالهدم.

قرر هو وأشقاؤه وصديق لهم الخروج لمنطقة رأس خمسين بمخيم شعفاط والتي يسكن فيها نحو خمسين ألف مقدسي، للهرب من إجراءات الاحتلال الذي لم يتركهم ولاحقهم هناك وفي اللمسات الأخيرة لعمارتهم السكنية، أمرهم بهدم المنزل.

شقاء خمس سنوات

"تعبي وشقاي أنا وإخوتي خمس سنين راح.. النا بنشتغل بنحط شيقل على شيقل، وكنا قريبين من تشطيب البناء".. كلمات محمد صباح وهو يروي لصحيفة "فلسطين" ما جرى معه.

عن هدمه المنزل بيديه، سبق صوته تنهيدة محملة بالألم والقهر: "شعور قاس جدًا، كأنك تقتلع شيئًا عزيزًا من قلبك فأنت لا يهون عليك ذلك، لكنك مضطر لتنفيذ قرار الاحتلال فلا نصير حولك، وأنت وحدك تواجهه (..)".

ويتابع: "لم نملك إلا الاستجابة والبكاء لكن لن نيأس وسنحاول البناء مرة أخرى ولن نبعد عن المنطقة ونعطي للاحتلال ما يريد".

لدى محمد ولدان وبنت، ولشقيقيه ستة أطفال، ولصديقه الذي شاركهم في البناء خمسة أطفال. أحلام أربع عائلات هدمها الاحتلال، يطلق محمد العنان لكلماته الغاضبة: "رسمت مخططًا جميلًا لأطفالي، بأن نستقر ونرتاح من إرهاق المحاكم وقلق الهدم. كانوا ينتظرون بفارغ الصبر ويراقبون مراحل البناء للانتقال إلى بيت جديد جميل يجمع أحلامنا، حتى المنطقة التي انتقلنا إليها (رأس خميس) يحصل الناس على تراخيص لكن الاحتلال تركنا نبني وجاءنا باللحظة الأخيرة كي نزيل البناء".

"خمس سنين بنحوش الله يعلم كيف لميناهم" حسرة لم تأتِ من فراغ، فقد كلّف البناء العائلات الأربع نحو 800 ألف شيقل، عمل صباح سائق شاحنة نهارًا وفي متجر لبيع المواد الغذائية ليلًا يمضي 17 ساعة عمل يوميًّا كي يدخر الجزء المطلوب منه في هذا المشروع.

اشترت العائلات الأربع الأرض منذ عام، وخاضت رحلة أخرى في الحصول على ترخيص، يدخل صباح في تفاصيلها: "ذهبنا إلى دائرة الترخيص لدى سلطات الاحتلال، وحاولنا بشتى الطرق الحصول على رخصة لكنهم رفضوا، في وقت يسمحون للمستوطنين بالبناء كيفما يشاؤون ويحصلون على رخص بطرق سهلة وسريعة، ونحن نمضي سنوات طويلة دون جدوى".

صراع مرير

انتهى الصراع الذي خاضته العائلات في المحاكم الإسرائيلية بعدما أصدرت محكمة في الثامن من مارس، قرارًا بمنحهم مهلة حتى الثامن عشر من الشهر ذاته لهدم المنزل بأنفسهم. واضطر صباح وباقي العائلات للتوقيع على مخالفة تبلغ 300 ألف شيقل بعد تغريمهم خمسين ألف شيقل أخرى بذريعة البناء في منطقة ممنوع البناء فيها، إذا لم تُهدم في التاريخ المحدد، على أن يتحمل تكاليف الهدم البالغة 40 ألف شيقل، ويُعطى مهلة لمدة أسبوعين لإزالة الركام وتنظيف الموقع، وإلا سيتحمل غرامة أخرى.

"إذا غريمك القاضي لمين بدك تشكي" بهذا رد على سؤالنا حول المسار القانوني الذي سيسلكه، قائلًا: "اضطررنا لهدم المنزل بعدما نفدت كل الخيارات لدينا في قضاء الاحتلال حتى المحامي حصل على سبعة آلاف دولار، ولم يعد لنا طاقة في تحمُّل غرامات جديدة".

ورغم أن العديد من المقدسيين –وهذه العائلات الأربع إحداها– ذهبوا لمنطقة رأس خميس للتوسُّع هربًا من العذاب الذي يعيشونه داخل البلدة القديمة، لكن الاحتلال لاحقهم حتى في مخيم شعفاط، وهو ما يدركه صباح جيدًا: "نحن نعرف أن الاحتلال يريد دفعنا لمغادرة المنطقة المحيطة بالقدس والرحيل عنها عبر سياسة تهجير قبيحة".

اخبار ذات صلة