منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومنذ التظاهرات الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال، كان الفلسطيني حامل الحجر هدفًا مباشرًا للقتل، والهبّات والانتفاضات كلها قدَّمت شهداء وجرحى، استُهدفوا بالرصاص الحي، رغم أن أدوات احتجاجهم لم تكن عسكرية.
الشهيد الشيخ عاطف حنايشة، الذي قضى قبل يومين خلال مشاركته في مظاهرة قرية (بيت دجن) الأسبوعية ضد الاستيطان، استُهدف برصاصة في الرأس، وهو ما يشي بأن اغتياله كان مدبرًا، ولعل هذا ما يمكن قراءته في تعليق جيش الاحتلال الصهيوني على الجريمة وتبريرها، حين قال إن الشهيد مرتبط بحماس ومحرض على المقاومة والمظاهرات، وكأنها محاولة استباقية لجعل الجريمة مبررة (دوليا) عشية توقع أن تباشر الجنائية الدولية تحقيقها في جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين.
أما لماذا الاعتقاد بأن اغتيال الشهيد حنايشة تحديدًا كان مُدبَّرًا، فلأنه صاحب دور طليعي في محيطه، وذا أثر وحضور في بيئته، فهو مؤذن القرية، وأبرز المشاركين في تظاهراتها الأسبوعية، وهو محرَّر، ونضاله ضد الاحتلال ممتد وعابر للانتفاضات، واستشهد وهو يحمل في قدمه رصاصة أصيب بها في الانتفاضة الثانية، ولا شك أن مثل هذه النماذج ذات الدور الطليعي ترعب مخابرات الاحتلال، لأنها ترى فيها مثلًا للفلسطيني الذي لا يتعب، بل يحمل واجب المواجهة في وعيه واهتمامه عبر السنين، دون أن يثنيه قيد أو جرح عن أداء رسالة الواجب، وهو مثل مؤثر، ويستدعي المحاكاة ممن حوله، وممن خبروا استعداده وشجاعته وإقدامه.
من جهة أخرى، يلجأ الاحتلال عادة للقمع العنيف للتظاهرات الشعبية غير المسلحة لكي يحاصر امتدادها، ولكي لا يشتدّ أوارها وتستقطب أعدادًا إضافية من الجمهور، إنْ على مستوى محيطها الجغرافي، أو على مستوى عموم الضفة الغربية والقدس، فسياسة الردع العنيف هي ضمان الاحتلال لبقاء حراكات المقاومة الشعبية محصورة في أماكن مبعثرة، وبأعداد قليلة من المشاركين، يسهل تحييدهم بالاعتقال أو الإصابة أو الاغتيال، خصوصاً عند لمس ثبات في هذه الحراكات وإصرار على استمرارها، حتى لو مرة كل أسبوع.
اغتيال الشهيد عاطف حنايشة، واغتيال كل من سبقوه على هذا الدرب، لم يفلح في إطفاء جذوة المقاومة في نفوس طلائعها وروادها، بل قد تكون محطات الاستشهاد هذه مناسبة وفرصة ليتعرف عموم الناس، وفي نطاقات أوسع من بيئة الشهيد على نماذج مضيئة، في البذل والتفاني والإصرار والمواصلة، فيبقى الفلسطيني دائم الصلة بها وجدانيًّا ودائم التذكر لتلك الحقيقة البدهية، وهي أن صراعنا على هذه الأرض قائم على المواجهة، وأن الاشتباك مع المحتل هو أصل العلاقة معه، وهو ما ينبغي أن يبقى عليه حال أي شعب واقع تحت الاحتلال، وتتعرض أرضه للتهويد والمصادرة، وقضيته للتصفية.