طالعنا السيد إسماعيل هنية بمقال في صحيفة القدس ضمن وجبتها الصباحية وحمل عنوان "عبرنا النهر ولن نلتفت للوراء"، وتمعنت طويلا فيما يقدمه هذا المقال، الذي يستعرض موقف حماس من أهم القضايا الوطنية ويظهر جهودها الحاصلة لإنهاء الانقسام السياسي واستعادة الوحدة.
وتوقفتُ مليا للتأمل في سبب اختيار العنوان والمعنى المقصود منه، الذي يوحي بأن حماس قطعت المسافة أو المرحلة الأهم بعبورها نهرًا لم يكن عاديا في طوله، أو عمقه، أو مخاطره، على من يسلكه سواء كان مختارا ذلك أو مضطرا إليه، حيث كان هذا النهر مليئًا بالمكائد وطريقه بدت موحشة، تتزايد فيه عوامل الافتراس، والمركب بالكاد وصلت بعد شقاء طويل.
وهذا ما يفسر الحرص على عدم الرجوع مرة أخرى أو حتى التفكير في الالتفات للوراء، لأن عزيمة هذه القيادة لا يمكن النيل منها، فهي تواصل دون تردد، فالوصول لهذه التفاهمات الوطنية كان نتاج مسار طويل من العمل الشاق، الذي مر بتحديات جسام كانت فيه هذه الحركة تُسخر كل جهدها وتقدم كل ما لديها لتتخطى كل العقبات التي وُضعت فخاخًا على طريق هذه الحركة.
وقد بدى واضحا أن الحركة قطعت شوطا كبيرا في سياق وصول شعبنا إلى بر الأمان، وما زالت تتطلع لتحقيق الأهداف الكبرى لشعبنا وعلى رأسها استعادة الوحدة على طريق تحرير فلسطين، فمن يفكر أو يعتقد أن نجاح فكرة إجراء الانتخابات وما تم التوصل إليه في هذا السياق وطنيا من توافقات بشأن هذه الخطوة مجرد تحرك وجهد متواضع وشكلي لا يحسن قراءة المشهد حقيقة.
ولا يعلم حجم الجهد الذي بذل ليصل هذا الحراك وهذه التفاهمات إلى هذه المحطة، في ظل سعي الحركة لتفعيل كل المسارات مع المجموع الوطني للخروج بصيغة يمكن أن تساهم في إنهاء الأزمات الفلسطينية، إلا أنه بدى واضحا هذه المرة أن هناك نتائج ملموسة ولو نسبيا هيّأت البيئة السياسية والوطنية لإجراء الانتخابات العامة.
وقد تزامنت الجهود الأخيرة مع استحقاق انتخابي داخلي مرت به الحركة كان من الضروري إنجازه واستبعاد فكرة تأجيله، حرصا من الحركة على إجراء هذه العملية الديمقراطية التي هي امتداد لما يجري في الساحة الفلسطينية، لأن هذه الحركة بقياداتها جزء من حالة وطنية تتدافع نحو تصليب عود هذه الشجرة التي تضرب جذورها في أرض فلسطين لتقتلع جذور الاحتلال، فكانت انتخابات هادئة أفرزت قيادة جديدة في إقليم غزة وما زالت جارية في الأقاليم الأخرى.
فهذه الحركة تدرك تماما بأن مواجهة التحديات يفرض ترتيب الصف داخليا وخارجيا وتعزيزه بما يتناسب مع التحديات الراهنة، ويحقق الآمال الوطنية والغايات الكبرى، ومن بين سطور المقال أيضا لم ينسَ هنية أن يسلط الضوء على حالة الجدل القائمة من قِبل بعض القيادات السياسية والنخب المجتمعية بشأن جدوى إجراء هذه الانتخابات ومدى كفاءتها وقدرتها على تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام السياسي متفهما الأسباب التي تدفع بها هذه الأطراف.
على اعتبار أن الأولويات كانت الدخول في حوارات وطنية معمقة تنهي الانقسام وترتب لإجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث (المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني)، إلا أنه وعلى الرغم من حرص الحركة على تقديم الحوار الوطني ليكون قبل الانتخابات، لكن الظروف أفرزت هذا الواقع نحو تقديم ملف الانتخابات ليؤسس إلى ترتيب البيت الفلسطيني ويعيد تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية بما يضمن مواجهة التحديات الراهنة.
فقيادة هذه الحركة مطمئنة لما وصلت إليه الجهود الوطنية وتحرص على إنجاح هذا المسار بكل السبل، وتتخطى كل العقبات الحاصلة وتتقيد بكل الالتزامات الملقاة على عاتقها وطنيًّا تجاه شعبنا، لتنضج الفكرة، وتتعاظم الخطوة، وتظهر النتيجة التي تمثل الأمل لشعبنا الذي عانى وصبر طويلا ويتطلع لغدٍ أفضل.
فمثل هذه القيادة كمثل الخيول البيضاء الأصيلة التي لا تقبل أن تكون في مؤخرة السباق، ولا تأبه بعواء الثعالب، ولا يجهدها طول الطريق، أو مشقة السفر، تسابق الريح لتصل إلى ذروة المجد، يراهن على فوزها دوما ولا تعرف في سجلاتها الخسارة.