بالشال الفلسطيني توشحت أم وهي تحتضن رضيعها وعيناها تحلقان في سماء القدس التي فصلهما عنها جدار الفصل العنصري، والخطوط الحمراء التي ترمز لدماء الشهداء الطاهرة، وكانت قريبة جدًّا من قبة الصخرة المشرفة، هذه اللوحة الفنية التشكيلية لخصت بها الفنانة خلود العكلوك حكاية الأم الفلسطينية في تربية أطفالها على عملية التحرير وصرختها في دحر الاحتلال الإسرائيلي.
تختلف الأم الفلسطينية عن أمهات العالم؛ فهي لا تعلم أطفالها العمليات الحسابية فحسب، بل تعلمهم الحدود الجغرافية لخريطة فلسطين من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وكل ما تحتويه، وأكثر من ذلك بكثير؛ فهي تعيد تاريخ الأجداد والأمجاد في حيفا وعكا والجليل والنقب ونابلس والقدس عاصمتها، إذ تقول خلود (43 عامًا): "الأم الفلسطينية هي حاضنة الأجيال بتعزيزها فيهم روح الدفاع عن الأرض المقدسة".
وتضيف لصحيفة "فلسطين": "عبرت عن النضال في سبيل تحرير القدس في لوحتي باللون الأسود، ويقابله اللون الأحمر الذي يتمثل في دماء الشهداء الطاهرة".
وتبين وهي تشير إلى خطوط لوحتها أن الأم في اللوحة تمثل الدرع الواقي لهذا الجيل؛ فهي تعزز في تربيتهم روح الدفاع عن الوطن.
الفن وسيلة
وترى خلود أن الفن وسيلة مهمة للتعبير عن هموم الأمة والقضايا التي يحملها الشعب على كاهله، خاصة المرأة؛ فهي ليست نصف المجتمع بل هي المجتمع كله، ويقع على كاهلها تربية الأجيال، وعبر الفن جسدت الأم ودورها في الوطن.
وخلود ككل فلسطينية أحبت وطنها، إلا أنها عبرت عن هذا الحب الكبير بالفن التشكيلي وألوانه التعبيرية عن القضية الفلسطينية، وغرست هذا النوع من الفن في طفلتها تالا حينما وجدت أناملها تبدع بالفن، فأخذت بيدها لتعلمها معنى الوطن، ورسالتها في الدفاع عنه.
وتشير إلى أن دراستها في كلية التجارة والعلوم السياسية لم تمنع شغفها الكبير بالفن التشكيلي الذي أحبته منذ صغر أناملها في طفولتها، لكنها لم تجد من ينمي هذا الشغف إلا في السنوات القليلة الماضية.
وتتابع: "هذا الأمر جعلني أنمي موهبة طفلتي تالا بمجرد أن شعرت أن لديها مهارة في الرسم، فساعدتها على تطويرها حتى تساهم في بصمتها الفنية؛ لأجل فلسطين".
وفي لوحة مزجت فيها الفنانة التشكيلية غدير إسليم (36 عامًا) الصورة والرسم عبرت عن نساء فلسطين، حيث وضعت صورة الفدائية ريم الرياشي بجوار خنساء فلسطين أم نضال فرحات، وتشكلت معهما رسامة الكاريكاتير أمية جحا، كما احتوت اللوحة صورة الشاعرة فدوى طوقان، وغيرهن الكثير من النساء اللاتي كان لهن بصمة في القضية الفلسطينية.
وعن فكرة اللوحة التي مزجتها بخطوط الفن التشكيلي تقول غدير لصحيفة "فلسطين": "الرسم فن، وكذلك التصوير، وأردت بهما أن أجمع دور المرأة الفلسطينية في كل المجالات؛ فهي أم الشهيد، وأم الأسير، وهي الطبيبة والفنانة، والمعلمة، والشاعرة، والشهيدة والأسيرة ...".
وتوضح أن الفن هو وسيلة لها دور مهم في توصيل الرسالة بطريقة تجمع الألوان والصور الفوتوغرافية.
وعن أهمية أناملها الفنية، تبين أنها بها تحاول أن تظهر صمود النساء؛ فهن رغم كل الظروف يتأقلمن مع الأحوال المختلفة، وليس ذلك فحسب؛ بل يبدعن في حبهن للوطن وزراعة هذا الحب في أطفالهن.
ومن لوحاتها التي عبرت بها عن دور الأم في نصرة القدس، وأنها مربية الأجيال: امرأة تحتضن المسجد الأقصى كما طفلها وفي فمها صرخة وجع، لتشير بذلك إلى حجم المعاناة جراء الاحتلال، وفي الوقت ذاته رسمت شجرة الزيتون التي أكدت بها الثبات والصمود رغم هذا الوجع.
وتطمح من طريق رسالة الفن الهادف أن يكون لها مدرسة فنية باسمها، حتى تدرس عبرها الأجيال الصاعدة، وتعلمها أهمية الفن في نصرة القضية الفلسطينية.
وبذلك يكون للفن والبندقية فوهة واحدة في مواجهة المحتل، وتحرير أرض فلسطين؛ فمهما اختلفت الأدوات فإن الهدف واحد والرسالة واحدة.