"حي البستان" المجاور للمسجد الأقصى محط لمطامع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول بكل السبل هدم بيوته وإخلاء سكانها، تمهيدًا لهدم اثني عشر حيًّا آخر مجاورة له، ما يتيح المجال أمامه لإقامة المشروع التهويدي المسمى "الحوض المقدس"، و"الهيكل المزعوم" على أنقاض الأقصى.
ومنذ عام 2004م وأهالي حي البستان يقاتلون في محاكم الاحتلال ضد أوامر بالهدم لجميع بيوتهم الـ88، لتفاجئهم سلطات الاحتلال بقرارات طابعها "سياسي" تهدف لإزالة الحي عن الوجود.
وأمس، أعلنت لجنة الدفاع عن حي البستان وسلوان في القدس، أن بلدية الاحتلال ألغت جميع الاتفاقات المبرمة مع السكان الفلسطينيين في الحي الملاصق للمسجد الأقصى، ورفضت المخططات التي طلبتها بديلًا لهدم منازلهم.
وحي البستان هو في قلب بلدة سلوان ويجاور المسجد الأقصى من الجهتين الجنوبية والجنوبية الشرقية، ويبعد عن السور الجنوبي قرابة 300 متر ويمتد على مساحة 70 دونمًا ويسكن فيها حوالي 1550 نسمة.
غرامات باهظة
المواطن مراد أبو شافع، يقطن حي البستان، بيَّن أن جده بنى المنزل الذي يسكنه منذ عام 1999م ، قائلًا: "البيت مساحته صغيرة قرابة سبعين مترًا ويسكن فيه تسعة أشخاص، ومنذ عام 2004م تسلمنا قرارًا بهدمه".
وأضاف أبو شافع: "منذ ذلك الحين ونحن لا نعرف للراحة النفسية سبيلًا خشية أن يُهدم البيت في أي لحظة"، مردفًا: "كل خمس سنوات ندفع قرابة 70 ألف شيقل لبلدية الاحتلال كمخالفة بزعم "البناء غير المرخص".
وأشار إلى أنه كلما انتهوا من سداد المخالفة تُجدد لهم سلطات الاحتلال المخالفة ما يرهقهم ماديًّا ونفسيًّا، قائلًا: "وسبق أن قامت قوات الاحتلال بهدم بيت شقيقي شافع في الحي ذاته في 2004م".
وبين أن سكان الحي قرروا التجمع وإنشاء "لجنة الدفاع عن حي البستان" لتقليل التكلفة على السكان في دفاعهم عن منازلهم، لافتًا إلى أن بلدية الاحتلال بعد أن طلبت من اللجنة إنشاء مخطط تنظيمي للحي فهي في كل مرة ترفض المخطط وتضع شروطًا تعجيزية لإقراره".
وأضاف: "لكننا لن نتزحزح عن أرض الآباء والأجداد ولن نترك بيوتنا فمجاورتنا "للأقصى" لا تُقدر بثمن، والآن هم أوقفوا تمديد السماح لنا بالبقاء في منزلنا ما يجعلنا في حالة خطر داهم من أن يهدموا بيوتنا في أي لحظة".
ومضى بالقول: "نحن على يقين بأنهم إذا ما هدموا حينا فإنهم سيهدمون بقية أحياء سلوان للسيطرة على محيط المسجد الأقصى (...) سنعاود إيحاء "خيمة التحدي والصمود" التي أقمناها في 2004م وسنخوض نضالًا جماهيريًّا ضد قرارات الاحتلال، فالحي هو الأكثر كثافة سكانية في الأحياء المهددة بالهدم في سلوان".
نكث بالوعود
من جانبه، بين عضو لجنة الدفاع عن حي البستان وسلوان، فخري أبو دياب أن بلدية الاحتلال في القدس نكثت بوعودها لأهالي "البستان" باعتماد المخطط التنظيمي الذي قدموه لها، مشيرًا إلى أن البلدية ألغت بكتاب رسمي للمحامي ولـ"لجنة الدفاع عن البستان" اتفاقها بهذا الخصوص.
وقال أبو دياب لصحيفة "فلسطين": "وهذا الإلغاء يعني تنصلًا من الاتفاقيات الدولية ومقدمة أمام إزالة التجميد عن قرار "منع الهدم" لبيوت الحي بسبب الضغوطات السياسية التي يمارسها اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينادي بتقليل عدد المقدسيين في المدينة المحتلة".
ولفت إلى أن الاحتلال يهدف من هدم حي البستان وبقية أحياء سلوان لإقامة ما يسمى بـ"الحوض المقدس" التهويدي حول المسجد الأقصى مستغلًّا الظروف الدولية الراهنة والتطبيع العربي مع (إسرائيل) ما زاد من نهم الاحتلال لبسط نفوذها على القدس.
وأضاف: "هدم البستان سيؤدي لهدم بقية الأحياء في سلوان، ويحيط به حاليًّا الأنفاق التي تحفرها (إسرائيل) لتغيير واقع المسجد الأقصى الذي يبدأ بهدم البستان وإبعاد الناس عن مدينة القدس".
وأشار إلى أن هدف الاحتلال طرد الناس من الأحياء في سلوان الذين هم خط الدفاع الأول عن "الأقصى" ولتغيير الواقع في المدينة المقدسة، فهي مقدمة لتهويد "بطن الهوى" المجاور للبستان من الجهة الشرقية ووادي حلوة من الجهتين الغربية والغربية الشمالية.
وقال أبو دياب: "يدعي الاحتلال بأن المنطقة إرث حضاري وتاريخي للشعب اليهودي قبل 3000 عام للملك داود، فيريد بناء حديقة توراتية بدلًا منها اسمها "حديقة الملك داود"، فأرسلت بلدية الاحتلال أوامر هدم لجميع البيوت في 2004م صادرة من مكتب رئيس وزراء الاحتلال".
وبين أنه بعد الهجمة على البستان تم اتخاذ خطوات دفاع عن حي البستان بإقامة خيمة لدعم صمود أهله، وإذا ما نجح الاحتلال في هدم الحي سيتحول من هدم البيوت لهدم الأحياء".
ولفت عضو لجنة الدفاع عن حي البستان إلى أن اللجنة "لجأت للمسار القانوني مع عدم ثقتنا بالقضاء الإسرائيلي لأنه جزء من المنظومة الاحتلالية، كما لجأنا للمؤسسات الدولية لهذا الغرض، ما أدى لإيقاف أوامر الهدم"، لافتًا إلى أن الضغط القانوني والدولي جعل البلدية توافق على تجميد الهدم بشرط "استصدار خرائط هيكلية تنظيمية" للمنطقة من قبل أهل الحي لمنحهم تراخيص للبناء.
وبين أبو دياب أن أهالي الحي دفعوا أكثر من 9 ملايين شيقل غرامات منذ 2011م، قائلًا: "في بداية آذار الحالي رُفِض المخطط الهيكلي، ما يجعل بيوت البستان عرضة للهدم، فقد أصبحنا دون غطاء قانوني وسيتحين الاحتلال الفرصة للانقضاض على البيوت".
وأضاف: "سنعود الخطوات التصعيدية والحراك الجماهيري، وسنعيد خيمة الاعتصام للاعتراض على القرار ونتواصل مع المؤسسات الدولية ضد هذا القرار المخالف للقانون الدولي (...) فهدم البستان يأتي ضمن مخطط لقوات الاحتلال لإحلال 25 ألف مستوطن في المنطقة الجنوبية للأقصى حتى عام 2030م".