لم يكن يوم المرأة العالمي لعام 1978 كأي 8 مارس/ آذار آخر، على الأقل بالنسبة إلى امرأة واحدة كانت تتدرّب في إحدى قواعد الثورة الفلسطينية استعدادًا ليومٍ سيقرأ عنه أطفال العرب ألف سنة. لم تكن الشابة الفلسطينية، دلال المغربي، التي وُلدت في مخيم شاتيلا للاجئين (1959) تعرف الكثير عن حركات النسوية العالمية. لم تكن دلال "فيمنست"، بل كانت امرأة فدائية، اختارت تخليد يوم المرأة العالمي في جلسة تدريبٍ على فك الكلاشنكوف وتركيبه، بدل تفكيك واجترار نظريات الفيلسوف الفرنسي شارل فورييه، صاحب مفهوم "فيمينيزم". اختارت دلال التحدّي عقودًا قبل مولد "غوغل" وأصحابه، وثارت على الصورة النمطية للمرأة سنواتٍ قبل اختيار منظمي اليوم العالمي للمرأة شعار "اختاري أن تتحدّي" لعام 2021 لتشجيع كسر الصورة النمطية عن المرأة، مع أن "غوغل" لم يعرض صورة دلال المغربي ضمن صور رائدات ظهرن في فيديو قصير أطلقه محرّك البحث تخليدًا لإنجازات أيادي نساء رائدات من ثقافاتٍ وأعراقٍ مختلفة في مجالات عدة.
غابت ذكرى البطلة دلال المغربي من ذاكرة "غوغل"، وهي المناضلة التي استشهدت دفاعًا عن أقدس حقوق الإنسان، الحق في الحياة حرًّا كريمًا على أرضه وفي وطنه. لا بأس هنا من تذكير الجيل الشاب، وعلى الأخص المنشغلين بذكوريتهم، أو المبهورات بموضة "الفيمنست" أكثر من جوهرها، بأن دلال المغربي ابنة لأسرة من يافا لجأت إلى لبنان في أعقاب النكبة عام 1948، التحقت بالحركة الفدائية الفلسطينية وهي على مقاعد الدراسة، وانضمّت إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وشاركت عام 1973 في الدفاع عن الثورة الفلسطينية في لبنان. وهي في سن العشرين، اختارها رجل اسمه خليل الوزير (أبو جهاد) رئيسةً لفرقة دير ياسين المكونة من 12 فدائيًا، للقيام بعملية في العمق الفلسطيني، من خلال السيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية، والتوجه بها إلى "تل أبيب" لمهاجمة مبنى الكنيست، للضغط على الاحتلال لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. عرفت العملية باسم الشهيد كمال عدوان. وبالفعل، تسللت دلال على رأس فرقتها يوم 11 مارس/ آذار 1978 من الأراضي اللبنانية بحرًا، حتى وصلت إلى الساحل الفلسطيني، ونزلت على الشارع العام المتجه نحو "تل أبيب"، واستولت على باص إسرائيلي بجميع ركابه من الجنود، كان متجها إلى "تل أبيب"، حيث اتخذتهم رهائن، خاطبتهم دلال قائلة: "لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط على أنكم رهائن، لنُخلِّص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر، نحن شعب يطالب بحقه في وطنه الذي سرقتموه".
أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين ورفعته يرفرف على الحافلة وهي تردد: بلادي بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي. وصف الشاعر الراحل نزار قباني ذلك المشهد: "في باص.. أقاموا جمهوريتهم، أحد عشر رجلا بقيادة امرأة اسمها دلال المغربي، تمكّنوا من تأسيس فلسطين، بعدما رفض العالم أن يعترف لهم بحق تأسيسها.. جمهورية مستقلة كاملة السيادة لمدة 4 ساعات، إنه لا يهم أبدا كم دامت هذه الجمهورية الفلسطينية، المهم أنها تأسست، وكانت أول رئيسة جمهورية لها اسمها دلال المغربي". استشهدت دلال المغربي مع أحد عشر من الفدائيين، بعد أن كبّدت جيش الاحتلال خسائر بشرية فادحة. قهرت بطولة دلال الجنرال الإسرائيلي، إيهود باراك، قائد الوحدات الخاصة التي تولت مواجهة أبطال "كمال عدوان"، فأقبل على جثتها يشدّها من شعرها ويركلها بقدمه.
لم تنَل دلال المغربي شهرة الصحافية والكاتبة السورية، هند نوفل، من مواليد 1860، أول امرأة عربية تنشر مجلة "نسائية"، ولم تحظ بمكانة الناشطة المصرية، هدى الشعراوي، من مواليد 1879، التي اشتهرت بنضالها من أجل تعليم الفتيات والنساء في مصر، لكن دلال كانت أشجع النساء وأرقّهن، لأنها "ذهبت إلى القتال لتصنع الحياة"، بتعبير إلياس خوري، و"بعد ألف سنة سيقرأ الأطفال العرب حكاية امرأة قادت أحد عشر رجلًا، وترأست جمهورية الباص الفلسطينية" كما قال نزار قباني.