رزمة من الملفات المهمة في مكتب قائد حركة حماس في غزة "يحيى السنوار" صنفت أنها "بالغة الأهمية"، فالرجل يفرد لها أهمية خاصة على جدول أعماله، كما أن فريقه الخاص يعمل على مدار الساعة وفق هذا المنظور.
فما هي هذه الملفات؟ ولماذا تحتل هذه الأهمية؟ وما الذي قدم خلال الدورة الماضية في هذه الملفات بالتحديد؟ وما أبرز التحديات التي تواجه إنجازها بصورة كاملة؟
في الحقيقة إن هناك اهتماما ومتابعة لكل الملفات، لكن ما نتحدث عنه هي الملفات الأبرز التي تحتاج لمراكمة ومضاعفة الفعل على مدار الساعة، وتعد ملفات ذات طابع إستراتيجي لا تحتمل التأجيل نهائيا، وهي: 1-المصالحة الوطنية وترتيب البيت الداخلي، 2-الأسرى، 3-الحصار، 4-دعم المقاومة، 5-ملف العلاقات الإقليمية والدولية.
فمنذ تولي السنوار قيادة حماس في غزة سعى لإتمام المصالحة الوطنية مكملا مشوار من سبقه من إخوانه في قيادة الحركة، حيث نجح إلى حد ما في تقريب وجهات النظر، وخفض مستوى التوتر وتضييق مساحات الخلاف مع معظم القوى والفصائل الوطنية إلى أن أصبحت حماس تتمتع بعلاقات قوية ومتماسكة مع المجموع الوطني.
ويمكن القول إن هناك تحديات واجهت المصالحة نختصرها في سببين رئيسين: الفيتو الأمريكي الإسرائيلي وبعض التدخلات العربية، إلى جانب محاولات التخريب من أصحاب المصالح والامتياز في "حركة فتح"، خشية تعرض مصالحهم للخطر، لكن ربما نجاحه في تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات حاليا قد يساهم كما نأمل في توفير بيئة صحية لاستكمال المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني.
وفي ملف الأسرى يشرف من قرب على عمل اللجنة المكلفة بالتفاوض على صفقة التبادل، ويصدر توجيهاته المباشرة لتحريك الملف دوما، ويكون حاضرا في نقاشاته مع أطراف عربية، وكذلك مع المبعوثين والوسطاء الدوليين، ولكن لحساسية الملف وخصوصيته فقد لا يطلع كثيرون على تفاصيله، وهذا ما يدفع بعض وسائل الإعلام للتكهن وصناعة بعض الأخبار، لكني أزعم أنها "لا تملك المعلومة"، سوى ما يعلن فقط.
ويمكن فهم السرية التي يمارسها وهي نابعة أصلا من رؤية وتوجه حماس وجناحها العسكري في هذا الملف، لاعتبارات أخلاقية متعلقة بذوي الأسرى، واعتبارات لها علاقة بتفويت الفرصة على العدو حتى لا يستغل الأمر بطريقة تخدمه إعلاميا أو سياسيا.
ويمكن فهم أبرز تحديات ملف الأسرى من خلال نقطتين بارزتين: المماطلة الإسرائيلية والتسويف المستمر وعدم الاستعداد لدفع الثمن المطلوب، وغياب الجهد الحقيقي الداعم لخطوات الحركة في هذا السياق سواء من السلطة أو من الجهات العربية والدولية، على الرغم من أنه ملف وطني بامتياز، لأن الإفراج عن الأسرى مسؤولية الجميع وليس حماس وحدها.
أما ملف الحصار فقد نجحت الحركة في الدورة الماضية في التخفيف من حدة الحصار عبر فكفكة بعض حلقاته، من خلال فتح المعابر، وتحسين حركة السفر، وإدخال البضائع، وإدخال الأموال القطرية، وتنفيذ مشاريع متعددة، إلا أن الملف يحظى باهتمام بالغ على مكتب قائد الحركة في غزة لأنه يتطلع لكسر الحصار نهائيا عن القطاع.
وقد واجهت السنوار تحديات كبيرة كان أبرزها ثلاثة أسباب؛ الرغبة العربية والدولية في بقاء الحصار على قطاع غزة لتركيع حماس، والتعنت الإسرائيلي في بعض الخطوات نتيجة الخشية من تعاظم قدرة الحركة، والتواطؤ من بعض الأطراف الفلسطينية لإبقاء الحصار لأنه يخدم أهدافهم السياسية.
كما يحظى ملف دعم المقاومة بأهمية بالغة على جدول أعماله فقد نجح فعليا في توفير شبكة أمان مالية للجناح العسكري لحماس، إلى جانب دعم تشكيلات وقوى متعددة في إطار تعزيز صمود وتماسك المقاومة الفلسطينية، ويأتي ذلك أيضا في إطار إنجاح مشروع الغرفة المشتركة التي تشكل إحدى الخطوات المهمة على طريق تأسيس الجيش الوطني لتحرير فلسطين.
وقد واجه هذا الملف تحديات خطرة منها: إغلاق الأنفاق، وتجميد معظم الحسابات المالية، وملاحقة الكوادر في الخارج، وقطع خطوط الإمداد، والاستهدافات المتكررة، إلا أنه نجح فعليا في تفعيل بدائل تخطت جزءا من هذه العقبات حتى أصبحت المقاومة تمتلك قدرات غير مسبوقة يصفها أحد القادة العسكرين في المقاومة بأنها "نوعية" ونقلت المقدرات والإمكانات لأضعاف مضاعفة.
كما يحتل ملف العلاقات الإقليمية والدولية أهمية بالغة في كونه الامتداد الطبيعي لعلاقات الحركة مع الخارج على اعتبار أن هذه العلاقات تساهم في إسناد ودعم الشعب الفلسطيني وتعزز من صموده وتمكنه من مواجهة المخاطر والتحديات، فقد ساهم في بناء علاقة متماسكة مع عدد من الدول وعلى رأسها العلاقة مع "مصر"، إلى جانب العلاقات مع دول أخرى، إلا أنه يتطلع لإقامة علاقات ذات طابع استراتيجي ويسعى لتطويرها بشكل دائم.
وقد كانت أبرز التحديات التي واجهت الحركة في هذا السياق ظهور التطبيع العربي، واستمرار التحريض الإسرائيلي، وسعي السلطة لإفشال جهود الحركة عبر تحريض وتخويف الدول في إطار المناكفة السياسية وإغلاق الأبواب في وجهها.
وحتى يكون الحديث موضوعيا فإن السنوار ساهم بشكل فاعل في هذه الملفات إلى جانب معظم قادة الحركة في الداخل والخارج لكون حماس تعمل بشكل مؤسسي وشوري ولا ينفرد أي منهم بالقرار، وبقاء هذا الملفات بكل ما فيها على مكتبه لكونها ملفات ذات طابع إستراتيجي لا تحتمل التأجيل أو التأخير فالعمل فيها لا يتوقف، هذا إضافة لجوانب أخرى قد لا نكون مطلعين عليها.
لكن ثقتنا بأن هذا القائد وإخوانه يمكن أن يقدموا شيئا جديدا خلال الدورة الجديدة مع مراعاة كل التحديات والعقبات المتزاحمة التي تقف أمام الحركة، داعين له بالتوفيق ولكل وطني حر يسعى لتحرير الأرض والإنسان ويكافح لبناء الوطن المستقل.