فلسطين أون لاين

غزة تلفظ "الفسفور الأبيض" بعد 12 سنة من عدوان 2008

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

استعد النقيب إسلام أبو شمالة جيدًا قبل التعامل مع واحدة من أخطر الأسلحة التي استخدمتها (إسرائيل) ضد المدنيين في قطاع غزة قبل سنوات.

صباح أمس، في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لم تكُن الأمور على ما يرام بعد العثور على قنبلة فسفورية في منزل قيد الإنشاء، الأمر الذي دب الرعب في نفوس أصحابه ودفعهم للاتصال سريعًا بجهاز الشرطة.

استقبل أبو شمالة الذي يترأس قسم هندسة المتفجرات في جهاز الشرطة بخان يونس، الإشارة بوجود قنبلة من مخلفات جيش الاحتلال قبل أن يتجهز وفريق كامل بالمعدات اللازمة ويتوجه إلى منزل عائلة النجار في بلدة خزاعة شرق خان يونس.

وعندما وصل إلى المكان فوجئ بأن القنبلة فسفورية، وهي واحدة من أخطر الأسلحة المحرمة دوليًّا التي استخدمها جيش الاحتلال في العدوان على غزة نهاية 2008 مطلع 2009؛ استمر 23 يومًا متتالية واستشهد فيه أزيد من 1400 مواطن وأصيب أكثر من 5 آلاف آخرين.

ولأن أبو شمالة لديه تجارب سابقة بنى عليها خبرات جيدة في هذا النوع من الأسلحة، استطاع التعامل مع القنبلة الفسفورية وتحييدها تمامًا دون أن تلحق أي أضرار بأحد رغم خطرها.

يقول لصحيفة "فلسطين": تعاملت مع القنبلة وحملتها وهذا أمر طبيعي اعتدناه لسنوات، تعاملنا فيها مع العديد من القذائف الخطرة، وقمت بنقلها تمهيدًا لإتلافها.

والقنابل الفسفورية -بحسب النقيب أبو شمالة- أخطر أسلحة جيش الاحتلال المحرمة دوليًّا المستخدمة ضد المدنيين العزل بغزارة خلال ذلك العدوان.

خطر الفسفور

ويكمن خطر هذا السلاح، بعدم وجود معايير ووقت معين لانفجاره، وقذائفه تحتوي على مواد كيميائية بإمكانها التفاعل مع الأكسجين في الهواء الجوي والاشتعال المفاجئ والتحول لانفجار ضخم، وفق أبو شمالة.

وذكر أنه بإمكان الفسفور أن يلحق أضرارًا فادحة بالأشخاص في حال أصابهم مباشرة، أو حتى الممتلكات.

وعند محاولته تحييد القنبلة، حرص على وضعها في أوعية مخصصة مملوءة بالماء بغرض عزلها عن الأكسجين المحيط بها، خشية اشتعال جزء منها أو الانفجار على أن تنقل بشكل آمن تحضيرًا لإتلافها من هندسة المتفجرات.

ويحظى هذا النوع من القنابل -والقول للنقيب أبو شمالة- بخصوصية في تعامل عناصر وضباط هندسة المتفجرات، إذ يقول: إن إتلافها يجري في ميدان عمل منفصل عن الأسلحة الأخرى من مخلفات جيش الاحتلال، فهي لا تحتاج إلى إشعال أو طرق أو مؤثرات خارجية، وبمجرد ملامسة الهواء الجوي فإن اشتعالها وانفجارها حتمي.

ومن النادر العثور على قنابل فسفورية في باطن الأرض بسبب عدم استخدام هذا السلاح مجددًا بعد عدوان 2008، مبينًا أن هندسة المتفجرات عثرت على قنبلة فسفورية واحدة خلال العام الماضي في خان يونس.

وطبق معطيات رسمية، فإن جيش الاحتلال أسقط ما يزيد على 3 آلاف طن من القنابل والصواريخ المدمرة على غزة، يحتوي كثير منها على مواد محرم استخدامها دوليًّا، في حين تعاملت إدارة هندسة المتفجرات مع 20 طنًّا من مخلَّفات العدوان.

ويقول خبراء أسلحة دوليون إن استخدام الفسفور الأبيض كسلاح يؤدي إلى جروح وحروق مميتة والأخطر أن جزيئاته الصغيرة يمكن أن تستمر في إحداث حروق للأشخاص بصورة غير محسوسة على أجسادهم حتى بعد انتهاء عمليات القصف، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

القنبلة الثالثة

والقنبلة الفوسفورية المعثور عليها شرق خان يونس، ليست الأولى منذ بداية العام الحالي، حسبما يوضح مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية وهندسة المتفجرات في جهاز الشرطة بغزة العقيد علي القدرة، إذ يشير في تصريح لـ"فلسطين" إلى أنها الثالثة.

وذكر القدرة أن تجديد المزارعين لأراضيهم في المواسم الزراعية وحرثها وسلسلة المنخفضات الجوية الماطرة التي شهدها قطاع غزة، مؤخرًا، عوامل تساهم في الكشف عن مخلفات عديدة لجيش الاحتلال مدفونة في باطن غزة، كان آخرها قنابل فسفورية.

ووفق القدرة، فإن غالبية المخلفات تتركز في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية للقطاع.

وتوقع العثور على أسلحة أخطر من هذا النوع وذات قوة انفجار أكبر في الفترات المقبلة بغزة التي تشهد اعتداءات عسكرية متكررة ينفذها جيش الاحتلال.

وأشاد القدرة بلجوء المواطنين لهندسة المتفجرات بعد العثور على القنبلة الفسفورية فورًا، لأن هذا النوع خطر جدًا ويمكن أن يشتعل أو ينفجر بأي لحظة كانت ويلحق بهم أضرارًا كبيرة.

وبسبب خطر هذا السلاح، وقعت 80 دولة معاهدة عام 1980، لحظر استخدام الفسفور الأبيض كسلاح ضد المدنيين أو في غارات جوية ضد أهداف موجودة في مناطق مدنية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع على الاتفاقية، واستخدمته في عدوانها على العراق 2004، كما استخدمه جيش الاحتلال بغزة.

وأدينت (إسرائيل) دوليًا لاستخدامها الفسفور الأبيض واتهمها تحقيق أعدته لجنة "غولدستون" التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بارتكاب "جرائم حرب" بحق المدنيين.

غير أن المدنيين ضحايا جرائم الاحتلال في عدوان 2008، 2009، لن يحظوا بنظر محكمة الجنايات الدولية بملفاتهم، وقد أعلنت فتحها تحقيقًا بملفات قدمت إليها بدءًا من 13 يونيو/ حزيران 2014 إلى يومنا هذا.

ولا يمكن أن ينسى المدنيون في القطاع المحاصر من تسبب بمعاناتهم واستخدم ضدهم سلاحًا فتاكًا كالفسفور الأبيض.