قبل 19 عامًا، وفي مساء ذاك اليوم، ارتدى محمد فرحات زيه العسكري وامتشق سلاحه بعد أن اختارته والدته وشقيقه الأكبر "نضال" لتنفيذ عملية استشهادية في مستوطنة "عتصمونا"، إحدى مستوطنات تجمع "جوش قطيف" جنوبي قطاع غزة، وانطلق مسرعًا باتجاه هدفه.
فـ"محمد" ذلك الشاب الصغير كان مولعًا بحبه للجهاد والمقاومة، وقد كان قبل تنفيذه العملية البطولية يعمل في "كافتيريا" الجامعة الإسلامية، ويدخر ماله ويشتري به رصاصًا يطلقه على جنود الاحتلال المتواجدين في مستوطنة "نتساريم" -سابقًا- ثم ينسحب عبر الأراضي الزراعية المحيطة في المنطقة.
وفرحات أحد أبناء "أم نضال" الملقبة بخنساء فلسطين التي وافتها المنية في 17 مارس/ آذار 2013، استشهد بعد تنفيذ عملية اقتحام مدرسة تدريب جنود الاحتلال داخل مستوطنة "عتصمونا" -سابقًا- في السابع من مارس 2002، حيث اعترف جيش الاحتلال بمقتل تسعة من جنوده وجرح نحو عشرين آخرين.
وولد الشهيد فرحات في 23 سبتمبر/ أيلول عام 1982، لعائلة فلسطينية متواضعة عرفت بالجهاد ومقاومة المحتل.
وتقول إيمان فرحات شقيقة الشهيد: "اختار شقيقي الشهيد نضال قبل استشهاده أخاه محمد لتنفيذ عملية استشهادية واقتحام مستوطنة عتصمونا التي كانت تعج بالجنود والمستوطنين، بعد أن قام بتدريبه وتجهيزه وإعداده لتلك العملية البطولية".
وتضيف فرحات لصحيفة "فلسطين" أنه "قبل ليلة من تنفيذ العملية، ودع محمد جميع أفراد الأسرة للمرة الأخيرة، وكانت أمي كلما تقبله وتحتضنه تنسكب الدموع من عينيها ليردها: لن أذهب للعملية إن كنت ستحزنين أو تبكين، لتجيبه: إنه قلب الأم يا ولدي فتوكل على الله عز وجل، ولا تكترث لدموعي".
ودع محمد والدتي، والقول لشقيقته، وأوصاها أن ترفق بنفسها ولا تحزن، وانطلق صائمًا آخذًا بالأسباب والاحتياطات اللازمة من جهازه العسكري، وتوصيات أمه، وما أن وصل هناك وجاءت لحظة الهجوم حتى اندفع كالصاعقة على جنود الاحتلال الذين كانوا داخل ثكنة عسكرية يتلقون فيها محاضرة، فانقض عليهم بكل ما يملك من الذخيرة فقتل وجرح كل من كان في المكان حتى ظن الجنود أن مجموعة من المجاهدين هي من اقتحم المكان.
إيلام الاحتلال
وتكمل فرحات بفخر: "بعد أن نفذت ذخيرته بالكامل أطلق عليه قناص إسرائيلي النار ليرتقي شهيدًا"، مشيرة إلى أنه فور ورود نبأ استشهاده سجدت أمي شكرًا وحمدًا لله عز وجل، بعد أن أثخن في الاحتلال وأوجعهم وقض مضجعهم، فكانت عمليته نوعية خلال تلك الفترة بالذات.
ولفتت إلى أن الاحتلال وبسبب هول الموقف وارتفاع أعداد القتلى فرض الإغلاق الشامل على مناطق قطاع غزة، وشن عدوانا عسكريا على مخيم جنين ومختلف المناطق بالضفة الغربية المحتلة.
ولمع اسم الشهيد فرحات رغم حداثة سنة، في تاريخ الجهاد والاستشهاد، وسطر تاريخا مشرفا في تاريخ فلسطين، وأضاف للأمة الإسلامية خارطةً جديدة في الدفاع عن المقدسات.
وللشهيد فرحات، أشقاء ساروا في نفس الدرب والمنهج، فأخوه الشهيد "نضال" صانع أول صاروخ قسام، "ورواد" الذي استشهد في مهمةٍ جهادية، وأمه "أم نضال" التي ربت أولادها على حب الجهاد والوطن، فأخلصوا في الدفاع عنه ومقدساته.