عادت شرايين الحياة في مساجد قطاع غزة حينما سارت في أوردتها صلاة الجماعة والجمع للأصحاء، إذ رفعت عنهم الرخصة الشرعية التي جاءت خلاف الأصل جراء جائحة كورونا، بعدما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هذه العودة المحمودة.
وجاء ذلك بعد مشاورات في مجلس الاجتهاد الفقهي التابع للوزارة، لكن بعض المواطنين قد تدور في أذهانهم استفسارات عن السبب القائم على رفع الرخصة، وهو ما يجيب عنه مسؤول في "الأوقاف" وأستاذ في الفقه.
الأصل العزم
عن سبب رفع رخصة التخلف عن صلاة الجماعة والجمع للأصحاء، يبين أمين سر مجلس الاجتهاد الفقهي التابع لـ"الأوقاف" في غزة د. عبد الله أبو عليان أن الأصل هو العزيمة وليس الرخصة، وعلى ذلك إن الوضع الطبيعي هو الأصل المتمثل في إقامة صلاة الجماعة والجمع للأصحاء، وإن الرخصة هي خلاف الأصل.
ويشير في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن هذا الحكم الشرعي جاء بعد دراسة من مجلس الاجتهاد الفقهي ومتابعته الأوضاع الجارية، فوجد أن رفع الرخصة مع بقاء التباعد بين المصلين في الصف الواحد هو المناسب في هذه الظروف.
ويذكر أن بقاء رخصة التخلف في حق المرضى وأصحاب الأعذار الشرعية لا يزال قائمًا.
وجدير بالذكر أن "الأوقاف" أصدرت أخيرًا بيانًا بعد تقييمها آخر المستجدات بشأن إجراءات الوقاية من وباء كورونا في المساجد، تؤكد فيه رفع رخصة التخلف عن صلاة الجماعة والجمع عن الأصحاء.
ويقول أبو عليان: "موضوع الرخصة مرتبط بالحياة، فالرخصة بدأت حينما كانت الحياة شبه معطلة إلا جزئيات قليلة تبعًا للحاجة لها، الأمر الذي جعل الرخصة بحق الأصحاء مشروعة".
ويتابع: "بعد أن عادت الحياة مجددًا: دوام المدراس والجامعات، والأسواق، وغيرهما، أدى ذلك إلى سقوط الرخصة عن الأصحاء، وعلى ذلك عليهم الخروج إلى صلاة الجمعة والجماعة كما يخرجون للسوق والوظيفة وغير ذلك".
ويلفت إلى بقاء رخصة التباعد بين المصلين في الصف الواحد، وتأكيد إجراءات السلامة والوقاية المتمثلة في ارتداء الكمامة، واصطحاب سجادة الصلاة، والتعقيم، وكل ما يتعلق بالإجراءات الأخرى للسلامة، فالموقف الصحي لا يزال غير مستقر بعد، وكل الاحتمالات المستقبلية واردة.
ويوضح أن المساجد تُتابع للتحقق من العمل وفق التعليمات الصحية، وفي حال المخالفة من الممكن إغلاق المسجد.
"أهل العافية"
وفي هذه المسألة يذكر أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور سلمان الداية أن رخصة التخلف عن صلاة الجمع والجماعة رفعت عن الأصحاء، لأنهم أهل عافية وأقدر على قيام الصلاة في المساجد، فمناعتهم أفضل بكثير من أصحاب الأعذار مثل المرضى فتكون لديهم المناعة أقل.
ويوضح لصحيفة "فلسطين" أن هذا الأمر مقبول في الشريعة الإسلامية نظرًا لأنهم أهل عافية وأقدر على الحضور، لكن أصحاب الأعذار قد يهلكهم المرض ويقضي عليهم نظرًا لأن جائحة كورونا لا تزال نشطة.
ويؤكد د. الداية ضرورة الالتزام بإجراءات السلامة إذ يقول: "لما كانت المنابر الرسمية ما زالت تنادي بمراعاة أسباب الوقاية؛ فإن الذي يفرط بذلك ويضيعه فهو آثم، لذلك يجب الالتزام بكل الإجراءات قدر الإمكان".
ويشير إلى أن المصلي الذي يأتي المسجد دون ارتداء الكمامة، والأخذ بإجراءات السلامة الاخرى، ويتسبب بضرر غيره تكون مخالفته أكبر عند الله (تعالى) من الذي لم يراعِ إجراءات السلامة ولم يتسبب في ضرر غيره، محذرًا من التراخي في اتباع التعليمات الصحية؛ لأن ذلك سيؤدي إلى التهلكة للإنسان ذاته ولغيره.
يقول الله (تعالى) في كتابه العزيز: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل:43)، وبذلك يتبين لنا أنه لما كان أهل الاختصاص أكدوا ضرورة مواصلة إجراءات السلامة والوقاية، ورفع رخصة التعذر عن صلاة الجمع والجماعة للأصحاء