قائمة الموقع

عينُ الكرامة

2021-03-06T10:19:00+02:00
م.عماد صيام.jpeg

إذا أردت أن ترسم خطوطًا متعددة ومختلفة تصل بين نقطتين فستجد أن أقصرها طولًا هو الخط المستقيم، هذه الحقيقة الهندسية هي نفسها حقيقة النفس البشرية السوية التي فطرها الله (تعالى)، تأنس وترتاح وتطمئن بالاستقامة، تمامًا مثلما يستقل شخصٌ مركبةً صُممت للسير على الطريق الممهدة المعبدة، فإذا هو يسير بها في طريق جبلية وعرة فما الذي يحدث؟ تتعثر به المركبة عدة مرات ويسمع أصواتًا صاخبة ولا يرتاح وهو بداخلها، وهذا هو معنى قول الله (تعالى): {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...} (الروم:30).

رسم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خطًا مستقيمًا ورسم إلى جواره خطوطًا متعددة ومتفرقة وأشار للخط المستقيم، وقال: "هذا سبيل الله"، وأشار للخطوط المتفرقة وقال: "وهذه سُبل الشيطان، على كل سبيل شيطانٌ يدعو لها"، ثم تلا قول الله (تعالى): {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153).

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ"، قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ"، قال أبو بكر الصّدّيق (رضي الله عنه): "إنها الاستقامة على لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" (على توحيد الألوهية والربوبية لله تعالى)، وفسّرها عُمر (رضي الله عنه) بالاستقامة على طاعة الله وألا يروغوا روغان الثعالب، فما روغان الثعالب؟ إنه الانفصام النكد بين الاعتقاد والسلوك الذي يمارسه كثير من الناس: يسابق للصف الأول في المسجد وامرأته وبناته يخرجن بالملابس الضيقة سافرات كاسيات كأنهنّ عاريات، يقول آمنت بالله ويتعامل بالربا أخذًا أو عطاءً، يؤدي الصلاة ويمتنع عن الزكاة، أمام الناس يظهر وكأنه ملاك وإذا ما خلا بنفسه فتح جواله أو حاسوبه أو التلفاز على المواقع والقنوات الإباحية السافلة، وهذه الانتكاسة التي تحدث لكثير من الناس بعد انقضاء شهر رمضان، يهجرون المساجد التي كانوا يسارعون إليها والقرآن الكريم الذي كانوا يحرصون على ختمه أكثر من مرة، وهكذا سائر الأعمال الصالحة ... هذه ليست استقامة بل هي روغان الثعالب.

وأكد ذلك عثمان (رضي الله عنه) أنها تحقيق الإخلاص لله (تعالى)، وكذلك قال علي (رضي الله عنه): "إنها الالتزام بالفرائض"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله تعالى): "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"، نعم، إنها كرامة الدنيا والآخرة، قال الله (تعالى): {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ *نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} (فصلت:30)، لذا من أراد الكرامة في الدنيا والآخرة فعليه بالاستقامة.

 

اخبار ذات صلة