لم تتضح حتى الآن ملامح القوائم الانتخابية التي ستخوض غمار المنافسة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني القادمة، وما رشح من معلومات أكيدة حتى اللحظة هو أن حركة فتح ستتحالف مع خمسة فصائل فلسطينية هي (فدا وجبهة التحرير العربية وجبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية والجبهة العربية الفلسطينية)، وهي فصائل هامشية جدًّا، وبعضها لا يُعرف أيٌّ من منتسبيها أو رموزها، حتى للمتابع اللصيق للشأن الفلسطيني.
ثم إن هناك تصريحات لقيادات في (فتح عباس) تؤكد أنه لن يكون مسموحًا لتيار محمد دحلان بالمشاركة في الانتخابات ولا تشكيل قائمة منفردة أو مع أي طرف آخر، أيضًا غير معروف بعد هل تيار مروان البرغوثي سيمضي بخيار تشكيل قائمة منفصلة عن قائمة فتح الرسمية أم سيختار الانضواء تحت ظلّها؟
لكنّ جدل أشكال القوائم الأهم هو ذلك المتعلق بما دار حول إمكانية تشكيل قائمة مشتركة بين حركتي حماس وفتح، ومع أن الفكرة ظلّت مستبعدة ومستغربة، أو مستهجنة، هناك بعض المتحمسين لها والمقتنعين بوجاهتها أو ضرورتها في صفوف الحركتين.
وبغض النظر عن دوافع محبّذي الفكرة، ودوافع بعضهم تحاول تحرّي المصلحة العامة دون شك، أو تبحث عن حلول للاستقطاب التاريخي الحاد بين الحركتين، أو ترمي إلى تجنّب إفرازات نتائج الانتخابات، لو أتت بغير ما يتمنى فريق السلطة الفلسطينية؛ إن الفكرة برمّتها تصادم ضرورة أهم من جميع هذه الدوافع، وهي بقاء منهجي التنظيمين الأهم على الساحة الفلسطينية في حالة تمايز، والتمايز لا يعني التناحر والتقاتل أو لجوء فريق إلى خيارات قمعية لمواجهة الفريق الآخر، بل الحاجة لأن يبقى الفصيل الذي صار عنوانًا للمقاومة منفصلًا في خياراته السياسية عن فريق التسوية، خصوصًا بعد عودة السلطة للتنسيق الأمني واستئناف العلاقة مع الاحتلال.
من جهة أخرى إن فكرة الانتخاب تقوم على أن يكون متاحًا للناخب الاختيار بين برامج واضحة في تمايزها، أما إن كان سيجد نفسه أمام انتخاب قائمة تجمع المتناقضين وتطرح برنامجًا غائمًا فما الحاجة للانتخابات من الأساس؟! إن خيار القائمة المشتركة يعني إضافة المزيد من عناصر "اللامنطق" إلى هذه الانتخابات، وإن كان قطاع من الناس ما يزال يفكر في جدواها، فإن طرح هذا الخيار أمامه سيكون تصعيبًا إضافيًّا لمتعلقاتها، ولإمكانية استيعاب العملية برمّتها.
ثمة من يرى دائمًا أن السياسة تحتمل كلّ شيء، وأن انتهاج البراغماتية في إطارها مطلق وغير محدود بقيود، وكذا أشكال التحالفات فيها، وإن كان هذا ممكنًا إلى حدّ ما في ظل أنظمة مستقرة وبلاد غير محتلة، فإنه في الحالة الفلسطينية يبدو منزلقًا خطرًا قد يطيح بجوهر خطاب الثوابت ويفرغه من مضمونه، حتى لو كانت غايات الانضواء في قائمة واحدة نبيلة، غير أنها غايات لا تكافئ التضحية بوضوح المسار وتمايز البرنامج وجدية الخطاب حول متعلقات القضية الفلسطينية كلّها.
إضافة إلى عدم واقعية طرح القائمة المشتركة فإنها ستوفر دعاية انتخابية قوية لتنظيمات أخرى، مفادها الحاجة للخلاص من التنظيمين الكبيرين وتصعيد قوى أخرى بديلة على الساحة، حتى مع كون هذه القوى بلا ظهير شعبي ولا فاعلية حقيقية على الأرض، وهذه الدعاية ستضرّ حماس وحدها دون فتح، وستفرّغ كثيرًا من مضامين خطابها عن الثوابت والمقاومة وإدانة التنسيق الأمني من معانيها، خصوصًا إن عادت الأمور إلى نقطة الصفر، وعادت السلطة بأجهزتها الأمنية لجميع سياساتها، وهي إمكانية ستظل حاضرة، لأن هذا الدور الوظيفي للسلطة هو جوهر بقائها.
إن البرنامج الوطني المتأسس على قاعدة الحد الأدنى من التوافق يصلح لإدارة الحالة الوطنية العامة، وترتيب وتنظيم الاختلاف، ولكن ليس لخوض انتخابات تقوم فكرتها أصلًا على الاختيار بين برامج متمايزة، وإن سلوك مسار اضطراري لا يعني أن يصبح كل شيء تحت سقفه اضطراريًّا، فثمة قوالب ثابتة تستعصي على التشكيل، ومحاولة تطويعها وتشكيلها قد تؤدي إلى كسرها، ولن يكون بعدها متاحًا إعادة ترميمها، لا صورة ولا قوامًا.
ولذلك إن ما سيبدو منطقيًّا أكثر هو تآلف الفصائل والشخصيات الداعمة لخط المقاومة في قائمة واحدة، حتى مع وجود تباينات فكرية بينها، هذا إذا كان المطلوب أن يظلّ مشروع المقاومة مصونًا، وأن يتحقق إنقاذ وطني لسفينة التحرر من الغرق في متاهات التسوية وإكراهاتها، وإن كان هناك تطلع حقيقي للتخلص من إفرازات أوسلو وتحجيم آثارها في المشهد الفلسطيني.