تحاول شرطة الاحتلال صبغ مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني المحتل بـ"التطرف"، وأنها منبع منفذي عمليات المقاومة، وهي بشكل غير مباشر تشير إلى الحركة الإسلامية الشمالية –المحظورة إسرائيليًا– وأن الحركة لا تزال فاعلة في المدينة، ومن جانب آخر تعمل على إطفاء بوادر الحراكات الشعبية، خشية انتقالها لمدن أخرى.
ولم يكن الهدف الذي خرجت به التظاهرة السلمية في "أم الفحم" تحت شعار "بدنا نعيش"، سوى المطالبة بحياة آمنة، متهمين شرطة الاحتلال بالتواطؤ مع الجريمة المنظمة المنتشرة في مدن الداخل المحتل، وعزز هذه القناعة قمع الاحتلال المسيرةَ بقنابل الغاز والصوت وقوات مستعربين.
وعمدت شرطة الاحتلال في صور عمّمتها على الصحافيين، مساء الجمعة الماضية، إلى إبراز لافتات دينية في مدينة أم الفحم (كما في معظم البلدات العربية)، وتتساوق هذه الصور مع الصورة التي يقدمها الإعلام الإسرائيلي عن المدينة بوصفها "بؤرة إرهابيين"، كما وصفتها صحيفة "يسرائيل هيوم" عام 2018.
إحدى الصور بيَّنت مجموعة من أفراد الشرطة تسير ومن خلفها لافتة تحمل اسم النبي محمّد، في حين بيّنت صورة أخرى شارعًا مليئًا بالحجارة في وسطه لافتة سوداء كتب عليها "إلا رسول الله"، وإلى جوارها لافتة "الجلباب قبل الحجاب".
وبحسب الناشط الإعلامي بالداخل المحتل ضياء الحاج يحيى فإن شرطة الاحتلال تريد الحصول على ذريعة لتفعل ما تشاء بالمدينة، كما حدث بالاعتداء على مسيرة "أم الفحم" التي خرجت للمطالبة بحقوق مدنية، وتنادي برفض الجريمة وتدعو شرطة الاحتلال لكبحها.
وعلى الرغم من تلك المطالبات فإن شرطة الاحتلال واجهت التظاهرة بأشد أنواع الضرب المبرح، وقنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي وإقحام المستعربين بين صفوف المتظاهرين، وفق الحاج يحيى، قائلا لصحيفة "فلسطين": إن "شرطة الاحتلال لا تستطيع فصل الخلفية الأمنية عن إجراءاتها تجاه المجتمع العربي".
ولفت إلى حدوث تغيير مهم بالمجتمع العربي في السنوات الماضية، فبعد أن كان المجتمع يعتقد أن شرطة الاحتلال تتقاعس عن مواجهة الجريمة، باتت لديه الآن قناعة بتواطئها في إشاعة الجريمة في المدن العربية، "فعلى الرغم من معرفتها هويات من يحملون السلاح بدقة، فإنها لا تتخذ بحقهم أي إجراءات قانونية، بل تمارس تحريضًا على المجتمع العربي".
وتفيد معطيات نشرها المرصد الأورومتوسطي بأن الجريمة في "البلدات العربية" زادت منذ مطلع العام الحالي، حيث قُتل ما لا يقل عن 15 شخصًا حتى اللحظة، في حين أن عدد القتلى في العشرين عامًا الماضية –منذ عام 2000– بلغ حوالي 1700 قتيل.
وتشير الإحصائيات إلى أن عام 2020 شهد قتل 99 مواطناً من فلسطينيي الأراضي المحتلة بينهم 16 امرأة، في حين قتل 93 شخصًا في 2019، بينهم 11 امرأة.
وتحاول سلطة الاحتلال تبعًا لكلام الحاج يحيى، إطفاء شرارة حراك أم الفحم الذي بدأت بوادر انتقاله للمدن العربية الأخرى في الظهور، خاصة أن المشاركين في الحراك يحملون الأعلام الفلسطينية ويرددون شعارات تثبت تمسكهم بفلسطينيتهم، وهو ما يعني فشل إجراءات الاحتلال في تدجينهم وإبعادهم عن قضيتهم الوطنية.
تغطية على جرائمها
الناشط الاجتماعي والسياسي بالداخل المحتل حسن غفاري أبو ذر يفسر اتهام شرطة الاحتلال لأهالي أم الفحم بـ "الإرهاب" بأنها محاولة للاختباء خلف جرائمها بحق المجتمع العربي، والتستر كذلك على تواطئها في محاربة الجريمة التي تتفشى في المجتمع كثيرا.
ويقول أبو ذر لصحيفة "فلسطين": "الدور التحريضي تمارسه كذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تتماهى مع شرطتها كثيرا، وتعمد تلك الوسائل أحيانًا لإحراج النواب العرب في الكنيست، بسؤالهم عن موقفهم من عمليات المقاومة".
ولفت إلى أن شرطة الاحتلال بعدما فشلت في إبعاد أهالي الداخل عن انتمائهم الوطني، تحاول إفشال حراك أم الفحم المطالب بحياة آمنة، وهذا المفروض تلبيته بغض النظر عن نوع الحكومة الموجودة، مشددًا على أن هذا المطلب يقع على مسؤولية شرطة الاحتلال التي تحاول ربط مصير الداخل المحتل بعصابات الإجرام التي يصدّرها جيش الاحتلال للمجتمع.
وأشار أبو ذر الذي شارك في التظاهرة السلمية لأم الفحم إلى أن المتظاهرين لم يحتكوا بشرطة الاحتلال التي تعاملت مع المتظاهرين بعنف غير مسبوق.