تركت جائحة كورونا والإجراءات الوقائية التي أُعلنت في الضفة الغربية المحتلة كحظر التجول ومنع التجمعات والتنقل بين المحافظات والقرى الفلسطينية، ثغرة للصوص وسماسرة الآثار للقيام بأعمال نبش وتخريب في المواقع الأثرية بالأراضي المحتلة لصالح سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وتحاول سلطات الاحتلال جاهدة وبكل الوسائل طمس الآثار التاريخية الفلسطينية من خلال سرقتها أو تدميرها أو استبدالها بما يعزز الرواية الإسرائيلية في إثبات وجود مزيف يُعبِّر عن تاريخ محرف لهم في المنطقة، بحسب مدير عام حماية الآثار في وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة.
وأعلنت مديرية آثار مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة القبض على 6 أشخاص خلال قيامهم بأعمال نبش وتخريب في أحد المواقع الأثرية في حارة الشيخ مسلم في البلدة القديمة، وبحوزتهم معدات للحفر.
تراث وطني
وأكد الباحث في علم الآثار مفيد صلاح، أن الاعتداء على المواقع والمعالم الأثرية في الأراضي المحتلة زاد منذ إعلان تفشى وباء كورونا، وإغلاق بعض المدن ومنع التنقل بينها، ما دفع إلى وصفهم بـ"ضعاف النفوس" لنبش وتخريب العديد من المواقع الأثرية مقابل مبالغ مالية زهيدة.
وبيَّن صلاح لصحيفة "فلسطين"، أن لصوص الآثار الذين اعتقلوا أول من أمس، وصلوا إلى عمق 13 مترًا تحت الأرض، في محاولة منهم للبحث عن الآثار دون النظر لخطورة المكان، رغم عملهم فيه منذ ما يزيد على شهر ونصف الشهر بهدف استخراج بعض الآثار وبيعها لتجار يهود.
وأوضح أن الهدف من عملية نبش وسرقة الآثار الفلسطينية تدمير للتراث الوطني الفلسطيني أينما وجد، مؤكدًا أن سلطات الاحتلال تحاول طمس التاريخ وتغيير المعالم الأثرية لصالح روايتها المزعومة.
وقال صلاح: إن الآثار الفلسطينية تشكل ثروة كبيرة وجزءًا مهمًّا من الاقتصاد الفلسطيني خاصة أن أساسها التنوع الحضاري الذي يعود إلى أكثر من 200 ألف سنة، مبينًا أن الأراضي الفلسطينية تضم آلاف المواقع والمعالم الأثرية.
ورأى أن من أكبر التحديات التي تواجه عملية التصدي لظاهرة سرقة الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية هي ما خلفته جائحة كورونا، والاحتلال الإسرائيلي الذي خلق أجواء ملائمة لازدهار هذه الظاهرة من خلال توفير الطلب عليها في السوق الإسرائيلية.
وأكد أن من يُقبَض عليهم هم من فئة الشباب الذين لا يعلمون عن التاريخ شيئًا، وهمهم جمع الأموال، دون النظر إلى خطورة المكان.
وأشار إلى أنه خلال مشاركته واطلاعه على عمليات التحقيق مع سارقي الآثار تبيَّن أن الاحتلال هو من يقف خلفهم وأن همهم الوحيد هو جمع الأموال، دون النظر إلى القيمة الأثرية للأماكن والمعالم التراثية.
ولفت إلى أن آلاف القطع الأثرية دمّرها لصوص الآثار، وأخرى بيعت للاحتلال الذي يهدف من خلالها إلى طمس الهوية والتاريخ الفلسطيني الشاهد على الأرض.
ودعا في هذا السياق إلى توعية المواطنين بأهمية المواقع والمعالم الأثرية والتواصل مع الجهات المعنية والتصدي لأي محاولات لسرقتها أو العبث بها، والتعريف بمآرب الاحتلال الذي يقف خلف عمليات البحث عن الآثار وسرقتها.
تزييف التاريخ
وبالعودة إلى طوافشة، فقال: ضبطنا واعتقلنا الكثير من لصوص وتجار الآثار، وأفشلنا العديد من محاولات سرقة نهب بعض الأماكن الأثرية.
وبين طوافشة لصحيفة "فلسطين" أن نحو 62% من المواقع والمعالم الأثرية تقع في مناطق "ج" التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي أو على مقربة من معسكرات الجيش والمستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية؛ ما يجعلها عرضة لعمليات النبش والتدمير والسرقة.
ونبه مدير عام حماية الآثار في وزارة السياحة والآثار، إلى أن الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني يواجهان مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار بها، وهو ما يهدد باستنزاف الموارد الثقافية والاقتصادية لفلسطين.
وأكد أن بناء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية أدى إلى تدمير وعزل المئات من المواقع والمعالم الأثرية، مضيفًا أن سلطات الاحتلال تشارك في عمليات سرقة الآثار كشرائها ودعم من يقف خلفها، وعدم ملاحقة المعتدين عليها في مناطق (ج) والقريبة من المستوطنات.
وقال: "إن الاحتلال يسرق وينهب ويشتري التراث الفلسطيني ويزوِّره في محاولة منه لطمس هويتنا التاريخية على هذه الأرض"، داعيًا العالم والمؤسسات المعنية إلى محاسبة سلطات الاحتلال والمستوطنين على عمليات سرقة الآثار الفلسطينية، وأن تمارس دورها لمنع هذه العمليات.
ورأى أن القانون الفلسطيني للتراث المعدل عام 2018، والمصادق عليه من رئيس السلطة محمود عباس، صارم جدًّا ولا يميز بين صغير أو كبير، ولا يتهاون مع محاولات سرقة أو الاتجار بالآثار الفلسطينية، مبينًا أن عقوبة نبش وسرقة والاتجار بالآثار تصل إلى ما بين ثلاثة أعوام إلى 17 عامًا.
وتمتاز الأراضي الفلسطينية باحتوائها على نحو 7 آلاف موقع ومعلم أثري، و50 ألف مبنى تاريخي مسجل في الضفة الغربية، لكن أغلبها يقع في مناطق مصنفة "ج" أي تخضع لسيطرة أمنية وإدارية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.