وصل قطار المحكمة الجنائية الدولية إلى أولى محطاته في طريق محاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي ارتكبوها بحق شعبنا الفلسطيني على الرغم من الضغوط الدولية لتحييد هذه المحكمة، فهل تصل "الجنائية" إلى محطتها الأخيرة بوضع المجرمين خلف القضبان؟
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الاسبوع قبل الماضى، قرارًا بموافقتها على التحقيق في جرائم حرب محتملة من (إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، وقررت أن اختصاصها يمتد إلى الأراضي التي تسيطر عليها (إسرائيل) منذ حرب الأيام الستة عام 1967".
فصل الملفات
وقال المدير العام لمؤسسة الحق، أمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، شعوان جبارين: إن قرار المحكمة الجنائية بالغ الأهمية وستنطلق الأمور الآن باتجاه فتح التحقيق في جرائم الحرب.
وأضاف جبارين لصحيفة "فلسطين": "سنشهد مذكرات توقيف ولكن لا أحد يستطيع تحديد متى ستبدأ المحكمة بتنفيذ قرارها"، مشيرًا إلى أنه "منذ العام الماضي ونحن ننتظر هذه الخطوة وليس من السهل فتح تحقيق في جرائم الاحتلال دون هذا القرار".
وأشار إلى أن المحكمة تحدثت عن حق تقرير المصير للفلسطينيين، وصدر القرار بالأغلبية، والآن بدأ العمل الجدي بعد قرار المحكمة، ويجب ألا نتعامل ببساطة مع هذا القرار ومع مدة التحقيق، متمنيًا إصدار مذكرات توقيف بحق قادة الاحتلال المسؤولين عن جرائم بحق أبناء شعبنا.
وأكد أن قرار المحكمة يتفق مع قرارات الأمم المتحدة بأن المحكمة الجنائية لها اختصاص قضائي على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مشيرًا إلى أن ملف التحقيق الآن ملك الجنايات الدولية، مشددًا على السلطة الفلسطينية ألا ترضخ للضغوط، وأن تتعامل باستراتيجية واضحة بفصل الملفات عن بعضها.
ورأى المدير العام لمؤسسة الحق أن مجلس الأمن هو الوحيد الذي يمكن له أن يؤجل موضوع فتح التحقيق لعام واحد ولكن يجب أن تتم هذه الخطوة بالإجماع.
غياب المساءلة
وعن محاولات الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية رفض قرار محكمة لاهاي الذي يسمح بالتحقيق ضد (إسرائيل) قال جبارين: "إن قرار المحكمة انتصار لفكرة وجودها ودون ذلك ستصبح بلا معنى".
وحث المدعية العامة على أن تباشر في التحقيق بكل الجرائم التي وقعت في الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن غياب المساءلة ساعد الاحتلال في المضي قدمًا وارتكاب المزيد من الجرائم، "لكن هو الآن يشعر بالقلق لأنه يعلم حجم الجريمة التي نفذها بحق الشعب الفلسطيني".
وتابع: إن الإدارة الأمريكية تتضامن مع الاحتلال في مواجهة المساءلة والملاحقة على الجرائم التي ارتكبها، ولا نعول على الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ولكن قرار الجنائية هو امتحان له، علمًا أن واشنطن ليست عضوًا في المحكمة الجنائية.، ومع إصدار هذا القرار بات الاحتلال أمام خطوة جدية لن تنفع معها كل الضغوط والقرارات التنفيذية التي أصدرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي كانت ترمي لإيقاع العقوبات على المدعية العامة ومساعدها، مؤكدًا أن المحاولات الأمريكية والإسرائيلية مستمرة لإسكات صوت المحكمة.
تجهيز الملفات
بدوره قال إيهاب كحيل المدير العام للهيئة الفلسطينية لملاحقة جرائم الاحتلال الإسرائيلي: إن قرار الغرفة التمهيدية لمحكمة الجنايات بشأن الولاية القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة يمثل انتصارًا لفلسطين.
وأضاف كحيل لصحيفة "فلسطين": إن هيئته حضّرت ملفات توثق جرائم حرب إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ عام 2009 جاهزة وأخرى أرسلتها إلى محكمة عبر مكاتب لها في بعض الدول.
ويبن أن هيئته ومعها مؤسسات حقوقية معنية تبذل كل مساعيها للضغط على الجنايات الدولية للإسراع في فتح تحقيق ضد مجرمي الاحتلال، مشددًا على ضرورة الإسراع في محاكمة قادة ومجرمي الحرب الإسرائيليين.
وحث كحيل المحكمة الجنائية للإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وأن تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الفلسطيني شعب محتل ومحاصَر وأنه تحت الاعتداء المتواصل لسنوات طويلة.
ودعا المحكمة الجنائية لعدم الأخذ بسياسة تساوي الضحية والجلاد، وأن الشعب المعتدى عليه من حقه المشروع أن يدفع الاعتداء بكل السبل وهذا ما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربع، وما أقره ميثاق الأمم المتحدة في مادته (21) "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول والشعوب، أفرادًا أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت عليها قوة مسلحة".
وأكد أن المقاومة الفلسطينية بموجب القوانين الدولية مشروعة ولا تجوز محاكمتها على دورها، داعيًا لتضافر كل الجهود القانونية لدحض مزاعم الاحتلال وتجهيز الملفات ورفعها للجنائية الدولية لمحاسبة الاحتلال على الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني.
ملفات مجهزة
وبين كحيل أن هيئته لديها ملفات تتلاءم مع اختصاص المحكمة الجنائية كالمجازر المرتكبة في قطاع غزة بحق الأطفال والنساء وبحق العائلات الفلسطينية، وملف الأسرى، إلى جانب ملفات عن حجم الأضرار المادية التي خلفتها الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع.
وبين أن عددًا من الضغوطات الدولية تتعرض لها محكمة الجنايات الدولية والمدعية العامة فيها فاتوا بنسودا، بشأن التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، متمنيًا أن تحافظ المحكمة على استقلاليتها وألا تلتفت للضغوطات الدولية لثنيها عن مواصلة عملها.
وحول تقرير القاضي ريتشارد غولدستون، حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2009، وتقرير المقرر الخاص لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة السابق ريتشارد فولك، عن الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبتها في القطاع، قال كحيل: نعتمد على كل التقارير الدولية بشأن محاسبة الاحتلال مع رفضنا لمساواة الضحية بالجلاد.
وعن المحاكمات الصورية التي يقوم بها الاحتلال لمحاكمة قادته ومرتكبي جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، أكد أن تلك المحاكم لا تلغي دور المحكمة الدولية، مشددًا على أن الاحتلال يحاول اللجوء إلى محاكماته العنصرية للهروب من المحاسبة الدولية.
ودعا المدير العام للهيئة الفلسطينية لملاحقة جرائم الاحتلال، لتوحيد كل الجهود الدولية والمحلية القانونية لمحاسبة الاحتلال على الجرائم التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني.
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، بموجب اتفاقية روما ويقع مقرها في لاهاي بهولندا، وتضم حاليًا 123 دولة عضوًا.