لو أراد فنان مغمور أن يصوغ بريشة صورة تدفع به لعالم الارتقاء، فلن يجد أجمل من تلك الابتسامات التي تملأ وجهي محمد الخواجة وزوجته سمر، بعد أن أنجبا المولودة تالين.
تكاد فرحة الزوجين لا توصف، فقد أصبحا أبًا وأمًا بعد حرمان لسنوات طويلة، قضياها راجين رب العالمين طفلاً أو طفلة صغيرة.
ولا يكف محمد عن مداعبة ابنته تلك التي لا تقف عن الصراخ، فمرةً يقبل يديها ومرة أخرى يحضنها ويلف بها أرجاء البيت محاولاً تهدئتها وإرضائها بأي طريقة، كيف لا؟؛ وقد جاءت بعد شوق وعطش.
كان الزوجان قطعا رحلة طويلة استغرقت 14 سنة من عمريهما عانيا فيها الكثير، قبل أن تنتهي بقدوم المولودة الجديدة.
"أكرمني الله وزوجتي بها بعد 23 جنينًا قبلها؛ لم يبصروا النور" قال محمد (34 عامًا)، وحكى بعدها لـ"فلسطين" قصة تولين.
"في حزيران (يونيو) لعام 2003 تزوجت بابنة عمي، لم يشأ الله أن أرزق بمولودٍ في أول عام من الزواج، فبدأنا رحلة علاج لم أتوقع أن تستمر طويلاً".
لم يدع محمد وزوجته طبيبًا مختصًا في علاج تأخر الحمل، وشهير بذلك على مستوى قطاع غزة، إلا ولجآ إليه.
"كانت البداية عملية زراعة أطفال أنابيب أجرتها زوجتي، فحملت توأمين في بطنها، لكن الحمل لم يستمر، وجرى الإجهاض بعد 3 شهور".
وأمام هذا، لم يستسلم الزوجان، فقررا بعد 6 أشهر خوض العملية لكن عند طبيب آخر هذه المرة، وهو أحد المشهورين في غزة، فأجريت سمر (30 عامًا) زراعة جديدة باءت بالفشل، ولم يتم الحمل بتاتًا.
بعدها، التزما بتعليمات الأطباء بالكف عن إجراء عمليات زراعة أطفال أنابيب لمدة عام على الأقل، لراحة الزوجة.
"بعد أكثر من 3 أعوام من الزواج أصبحت زوجتي تحمل بشكل طبيعي، ولم يكن الحمل يستمر سوى أشهر قليلة قبل وفاة الجنين. اضطررنا بعد ذلك أن نذهب إلى مصر عند أشهر الأطباء، فوصفوا لنا علاجا معينا فحملت زوجتي، ووجهنا لأحد كبار الأطباء في غزة".
لم يتمكن الطبيب الغزِّي من تشخيص حالة الحمل لدى سمر، وبعد شهرين ونصف كشف عليها، وأخبر الزوجين أن الجنين هلك داخل الرحم، فأعطاها علاجا لتنزيل الجنين ولتنظيف الرحم.
عاد محمد وسمر هذه المرة "مكسوري الخاطر"، كما وصف حاله آنذاك، اشترى العلاج ونزل الجنين.
تراجع صحيّ ونفسي
"تدهورت حالتها الصحية بعد تناولها العلاج الذي وصفه الطبيب الغزِّي لها، فلم يكن هذا العلاج هو المناسب وعلى اثر ذلك دخلت في حالة إغماء، ونقلت لمستشفى الشفاء" أضاف محمد مستذكرًا أيامًا صعبة مر وزجته بها.
وتسبب العلاج الخاطئ بانفجار في أنبوب الرحم، فقام أطباء مجمع الشفاء باستئصال جزء من هذا الأنبوب وبداخله جنين صغير. "كان على قيد الحياة أثناء العملية ولم يعلم أحد أنها حامل بتوأمين، أحدهم هلك داخل الرحم" قال محمد وتنهد.
وبذلك، اضطر الأطباء التضحية بالجنين حفاظًا على حياة الأم، التي حملت بـ23 جنينًا معظمهم توائم، لم يبصروا الحياة، قبل تولين. ومع كل ذلك ازداد تمسك الزوجين بإنجاب طفل يملأ حياتهما، لكن دون فائدة، لم يشأ القدر بعد.
ولهذا، نصح أطباء الزوجين بفراق بعضهما، فلو تزوج هو من أخرى سينجب، وهي كذلك، لكن احتمالية انجاب طفل منهما كان صعبًا، لأسباب طبية.
"لكن حبي لها وتفاهمي معها، وإخلاصها لي وصبرها وطاعتها، ورابطة الحب والمودة بيننا غلب كل شيء، وعوضتني عما مررنا به".
"لكن الأمل الذي كان يعطيه الأطباء وطوال فترة العلاج جعلني أشعر أن هناك استغلالا لجيوب المحتاجين، وبسبب تقدمي في السن ولضغوطات أخرى قررت الزواج وأكرمني الله من الثانية ببنت أسميتها سلمى" كما يقول محمد.
وكانت سمر طوال سنوات زواجها، حريصة على قراءة واستماع الرقية الشرعية، ولم تيأس من رحمة الله، فكانت دائمة الاستغفار، ومحافظة على صلواتها، وقيام الليل والدعاء.
تركت الأطباء وسلمت أمرها لله، شاءت الأقدار أن تحمل الزوجة، لقد أطلت تولين وأنست والديها وجع السنوات الماضية.
ونصح كل زوجين يتمنيان انجاب طفل بعدم اليأس، والحرص على الدعاء فهو يغير القدر.
كان الهدوء سيد الموقف دائمًا في الشقة التي تعيش سمر وزوجها فيها، لكن هذا الهدوء تلاشى بعد مجيء تولين. ويبدو محمد سعيدًا بذلك إلى أبعد الحدود؛ فما إن يعود من عمله، حتى يذهب إلى طفلته ويداعبها وهو يقول لها: "عمري وحياتي إلك يابا".