فلسطين أون لاين

جمجوم:الشهيد عقل فهم الصراع على طريقة "مطارِد لا مطارَد"

...
غزة - يحيى اليعقوبي

الخامس من أغسطس/ آب من العام 1992، كانت المهمة كبيرة بالنسبة لسفيان جمجوم (أسير محرر اعتقله الاحتلال لمدة 20 عاما)؛ باستقبال الشهيد عماد عقل لأول مرة بالضفة الغربية بمسجد الرباط بمحافظة الخليل قادما من قطاع غزة وتأمين مكان له، "ماهي أوصافه".. يستفسر جمجوم للشخص الذي أوكله بالمهمة؛ ليزيد ذلك الشخص تلك المهمة صعوبة على صعوبتها "اعتمد على حدسك.. لا أوصاف له".

ذهب سفيان ورفيق له كلف معه بالمهمة أيضا، وأديا صلاة العصر بمسجد الرباط؛ أخذ سفيان يحدق بنظراته بالمصلين، حتى انتبه إلى عينين ذات بريق لامع كأنهن "تشتعل ثورة" حتى سرق انتباه جمجوم إلى ذلك الشاب رياضي الجسم الذي لديه "بريق خاص" يختلف عن المتواجدين في المسجد، يسحب بنا جمجوم خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تلك اللحظة، "أيقنت بدون أي تردد أنه عماد عقل ولم أحتج لأي معلومة أخرى تدلني عليه.. أعطيته كلمة السر واستلمته".

كان القلق من السكن هو ما يساور ذهن وتفكير عقل، يسترجع جمجوم تلك المشاهد من أعماق ذاكرته، "استأجرنا له حينها أربعة مساكن، كان يرفض المكوث في أي بيت فيه أحد".

وكان عقل أحد ستة أشخاص وصلوا الضفة الغربية من قطاع غزة، عن صفاته يتحدث جمجوم: "كان نموذجا فريدا من نوعه بالتضحية والفداء، يحمل بين أضلعه ثورة وقادة من الهم الوطني؛ يفهم أبعاد الصراع بطريقة جديدة، إنه مُطَارِد وليس مُطَارَد، فنظر للاحتلال نظرة خاصة أنه يجب أن يبقى في مرمى هدفه ".

عرف جمجوم عن عقل مميزات عدة، يذكر بأن الشهيد عقل كان يرفض فكرة إطلاق النار على جنود الاحتلال عن بعد، فكان مصمما أن تكون مسافة الإطلاق ملامسة للجندي الإسرائيلي.

في لحظة فارقة اعتقل أحد أفراد التشكيلات من قطاع غزة لدى الاحتلال، واعترف أن عماد موجود بالضفة، "اليهود راح يجننوا أهلك ويقتحموا بيتهم " .. يوجه سفيان كلامه بحزن على حال عائلة عقل لصديقه عماد، الذي رد عليه بإجابة الواثق: " قدرهم بأن يتحملوا .. وقدرنا أن نجاهد ".

الواحد والعشرون من أكتوبر/ تشرين أول من عام 1992م، تاريخ غير حياة سفيان جمجوم فقد شارك في أول عملية وصفها بأنها أشبه بعملية تجريبية من خلال تجاوز سيارة لأخرى مع عماد عقل أدت لإصابة اثنين من الجنود وارتطام سيارتهما بأرض مجاورة أطلق عليها عملية الحاووز الأولى في الخليل.

على إثر العملية وبعد مطاردة من قوات الاحتلال اعتقل جمجوم في 15 ديسمبر/ كانون أول لدى الاحتلال الإسرائيلي وحكم عليه بالسجن 15 عاما متواصلة فضلا أنه اعتقل خمسة أعوام أخرى متفرقة.

وهكذا، انتهت فترة مرافقته لعقل التي يصفه بها، "عماد؛ شخصية طيبة وحادة في نفس الوقت، كلامه سريع بمنطق الواثق ، حلمه دائما أن يوجع الاحتلال بأكبر قدر ممكن، كان يعلم أن عمره لن يطول كثيرا، ولم تكن لديه خيارات الخروج من البلاد كما فعل الكثيرون".

ورافق جمجوم عقل في تنظيم التشكيلات المقاومة بالضفة، سميت تلك الفترة حرب الأيام السبعة (يقول) كانت بالنسبة له الفترة الصاخبة في حياته، أحداث متسارعة ومتلاحقة فبعد عملية الحاووز التي نفذها جمجوم بخمسة أيام نفذ عقل عملية أخرى بنفس المكان وأوقعت قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال الإسرائيلي.

" الدم الفلسطيني لعنة، من يقع فيه لن يخرج منه " .. ما زالت تلك الكلمات التي قالها عقل عالقة في ذاكرة جمجوم، ثم يتابع: " لم يقع عماد بالدم الفلسطيني حتى أنه لم يشارك في قتل العملاء إلا في حالات محدودة.

في إحدى المرات، يقول جمجوم: " كنا في إحدى السكنات وكان هناك إضراب عن الطعام داخل سجون الاحتلال، وهناك بعض الاحتجاجات الشعبية التي نظمت، لكننا كنا نعطي الأوامر بتهدئة الفعاليات في المناطق التي يتواجد فيها عقل حتى يكون آمنا ".

إلا أن الفعاليات وصلت إلى المكان المتواجد فيه عماد، ولكنه من شدة انفعاله كان يرغب بالمشاركة مع الناس في نشاطاتهم، فيختم جمجوم: " حينها كان عماد لديه انطباع على غرار ما يحدث في غزة بأن جميع المواطنين يشاركون بالفعاليات، ولكن في الخليل كان الأمر مختلفا لا يشارك الكل .. واضطررنا إلى إخراجه من المكان حفاظا على أمنه وسلامته ".