يقلل كثيرون من دور العرب غير الفلسطينيين في حرب 1948م، وما تلاها من نكبة، ويذهب بعض إلى دور عربي في إفراغ فلسطين من معظم أهلها، إن بعض هذه الاتهامات إما ناتج عن عدم معرفة بأحداث ذلك الزمان، وإما لأهداف سياسية.
إنكار دور العرب في حرب فلسطين عام 1948م استُخدم بوجه خاص بعد تعديل الميثاق القومي عام 1968م، وكان الهدف من ذلك تبرير التخلي عن البعد العربي للقضية، ثم التوغل في الوطنية الفلسطينية، ليس بهدف توطيدها، إنما بهدف سلخها عن الأهداف العربية المشتركة، ولتبرير خطوات أحادية، ستظهر في عام 1968م (طروحات الدولة الديمقراطية التي تضم العرب واليهود، وعام 1974م (ما يُعرف بالنقاط العشر).
ومع تبلور طروحات التسوية كان شعار المرحلة فلسطينيًّا هو القرار الوطني المستقل، لأن خلق مناخ التسوية يتطلب الشعور الأقصى بالضعف لدى الشعب الفلسطيني ليرضى أو ليسكت عن التنازلات المرتقبة، فرُفع شعار: "يا وحدنا"، الذي يصلح للشعر لا السياسة، وصار شعار المرحلة، حتى في أغاني تلك المرحلة نلمس جلدًا للذات العربية.
إن التسوية تتطلب إغراق الناس في معاداة العرب، والمغالاة في ادّعاء الوطنية؛ فأوقظت _مثلًا_ الوطنية المصرية على حساب امتدادها العربي خلال مفاوضات (كامب ديفيد)، وكان شعار: "الأردن أولًا" الشعار الأبلغ في مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية وادي عربة.
إضافة إلى أن هناك تيارًا حاول القطع مع العرب لتبرير تحالفاته العابرة للبلدان العربية، فأراد لصق كل نقيصة بالعرب، ونشر كل كلام يمكن أن ينال من سمعتهم، واتخذ نفسه آلة إعلامية لحديث قديم أن الجيوش العربية طلبت من الفلسطينيين مغادرة بلدهم "حتى يتسنّى لها القتال بحريّة، ودون عوائق من المدنيين".
لابدّ من تبيان أمرين عند الحديث عن الدور الإيجابي للعرب عام 1948م: الأمر الأول أنه كان عدد الدول العربية المستقلة إبان نكبة 1948م لا يتجاوز عشر دول، وبعضها مستقل اسميًّا، ومازالت على أراضيه قوات احتلال، وبعضها مستقل حديثًا، ولم يبن بعد مؤسساته ولا جيشه، الأمر الثاني أن الموقف الشعبي العربي كان متقدمًا جدًّا عن الموقف الرسمي، وهو الذي دفعهم إلى إرسال بعض جيوشهم إلى فلسطين.
إن الفارق كان كبيرًا بين دول عربية ليس لديها دعم، وعصابات صهيونية جاء بها الغرب لتقيم دولة وظيفية. فتُظهر الأرقام أن عدد أفراد العصابات الصهيونية المسلّحة وصل إلى 60000 مسلّح، وكان عدد المسلّحين العرب في فلسطين (مع دخول جيش الإنقاذ والجيوش العربية الحرب) لا يصل إلى أكثر من 23000 عنصر.
التدفق الكبير للأسلحة على العصابات الصهيونية لم يتوقف، لا قبل إعلان إقامة الكيان العبري في 15 أيار (مايو) 1948م، ولا بعد ذلك، فإضافة إلى الدعم الغربي كان هناك جسر جوي مفتوح لإمداد الكيان الصهيوني بالسلاح، انطلاقًا من قاعدة (زاتيك) العسكرية التشيكية. ومع نهاية السنة كان عدد أفراد العصابات الصهيونية نحو 90000 مسلّح، وبلغ تعداد الجيوش العربية الموجودة نحو 40000 جندي، وما بين تشرين الأول (أكتوبر) 1947م وتموز (يوليو) 1948م أنتجت مصانع (هاغانا) وحدها 3 ملايين طلقة، و150000 قنبلة يدوية، و16000 بندقية رشاشة، و210 مدافع (هاون).
ومع ذلك إن المعارك التي خاضها المتطوعون العرب برفقة إخوانهم الفلسطينيين كانت معارك مشرّفة، انتصر العرب في كثير منها مع قلة تسليحهم، ويكفي النظر إلى مذكرات هؤلاء المتطوعين من أمثال عبد الله التل ومصطفى السباعي وزهير الشاويش وكامل الشريف وفوزي قاوقجي، لإدراك حجم تضحياتهم.
وإن مذكرات الفلسطينيين وذكرياتهم تحفظ للمجاهدين العرب مقامهم، وأعظمها تفصيلًا مذكرات عارف العارف؛ فعدد شهداء مصر 1038 شهيدًا، والأردن: 463 شهيدًا، وسورية: 362 شهيدًا، والعراق: 399 شهيدًا، والسعودية: 155 شهيدًا، ولبنان: 256 شهيدًا، وليبيا: 15 شهيدًا، والمغرب العربي: 16 شهيدًا، والسودان: 8 شهداء، واليمن: 21 شهيدًا.
أما حكاية أن الجيوش العربية طلبت من الفلسطينيين المغادرة فلا أصل للادعاء، حتى إن المؤرخ الإسرائيلي بني موريس راجع كل سجلات الإذاعات العربية عام 1948م ولم يجد ما يثبت ذلك، من هنا إن العرب قاتلوا، وإن التقصير الرسمي لا ينفي الجهاد العربي في فلسطين.