عند الحديث عن جائحة كورونا دائمًا ما يخطر ببالنا الجهود التي يبذلها الأطباء والمعاناة الكبيرة التي يقاسيها المرضى، ولكن في وسط هذه المعادلة هناك كثير من الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت ويشكلون حلقة في ترس لا يمكن الاستغناء عنها.
عطا الجعبري، مدير دائرة التمريض في مستشفى غزة الأوروبي، ما بات يعرف بمستشفى الوبائيات المتخصص في استقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا؛ هو أحد الكوادر الطبية التي واجهت فيروس كورونا.
الجعبري (59 عامًا) الذي عمل في المجال الصحي مدة تصل إلى 37 عامًا وجد نفسه يختتم آخر عامين له قبل التقاعد، وهو يؤدي مهمة يصفها بأنها "خطرة ومهمة"، تمثلت في تجهيز مستشفى غزة الأوروبي ليصبح المكان الأول والأكبر لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا كافة.
لم تكن مهمة سهلة تلك التي تحملها في التجهيز لمستشفى من أبسط احتياجاته من الطعام والشراب حتى أنواع العصائر التي يجب توفيرها للمرضى، مرورًا بالألبسة والغيارات الخاصة بالطواقم الطبية حتى أنابيب ومحطات الأكسجين العنصر الأساسي في علاج الحالات الخطرة المصابة بالمرض.
كان العمل يبدأ لديه منذ ساعات الصباح الباكر، فوزع جدوله اليومي لمتابعة قسم التمريض واحتياجات المرضى داخل كل قسم في المستشفى، إضافة إلى توفير طلباتهم وتذليل العقبات كلها ليتلقى المرضى الرعاية الصحية الكاملة.
يقول في حديث مع صحيفة "فلسطين": "منذ بدء الجائحة صدر قرار من وزارة الصحة بتخصيص المستشفى الأوروبي لاستيعاب الحالات المصابة بكورونا، إضافة إلى تجهيز مدرسة مجاورة لاستقبال الحالات غير الخطرة".
ويضيف الجعبري: "عملنا على تجهيز المستشفى بكميات ومحطات الأكسجين اللازمة، وكذلك زيادة عدد الأسرة، وملابس الوقاية للأطباء والعمال في المستشفى، إضافة إلى تدريب الطواقم الطبية والإدارية على كيفية التعامل مع هذه الجائحة".
ويؤكد أن تأخر قدوم الجائحة للقطاع مقارنة بالإقليم والعالم كان له الأثر الإيجابي الكبير بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في كيفية التعامل معها، مبينًا أن وزارة الصحة كانت حريصة على استنباط العبر وتعلم الدروس من هذه التجارب لتطبيقها وقت الحاجة في القطاع.
احتياجات ضرورية
ولا يزال يتذكر الجعبري التحدي الذي كان أمام مستشفى الوبائيات، لتوفير الاحتياج اللازم من الأكسجين الضروري لإبقاء المصابين بالفيروس على قيد الحياة.
ومع استمرار زيادة أعداد المصابين والحاجة للأكسجين كانت الجهود لا تتوقف حتى وُفِّرت محطة أكسجين بقدرة 2000 لتر، إضافة إلى زيادة عدد الأسرة إلى 100 سرير في العناية المركزة، بعد أن كان في وقت سابق لا يزيد على 12 سريرًا، وفقًا لإفادته.
أكثر من ستة أشهر مرت على اكتشاف أول الحالات المصابة بفيروس كورونا في القطاع، لا يزال الجعبري يتذكر كل شيء متعلق بتفاصيلها، والجهود الشاقة التي كانت تبذل لتوفير احتياجات المرضى مع أنات وآهات مرضى يقاسون مرضًا لا يزال جديدًا على العالم، وليس فقط على القطاع.
آلام المرضى خاصة في داخل غرف العناية المركزة لا تزال شاخصة أمام عينيه وذاكرته، التي مر عليها خلال سنوات عمله الكثير، ولكن ما مر عليه في الأشهر الستة الماضية كان مختلفًا عن أي شيء آخر.
ويلفت إلى أن من أعظم المهام التي كان يجب تأديتها هي تقديم الدعم النفسي للمرضى وأسرهم، وهو الأمر الذي كان يضمن تقبل المرضى المرض ويساهم في علاجهم على المستويين النفسي والجسدي.
ولا يزال الرجل مستمرًّا في تقديم خدماته وهو على مشارف انتهاء سنوات عمله الحكومي في المستشفى، إذ يستعد للتقاعد العام الحالي مع بلوغه الستين من العمر، التي قضى أكثر من نصفها في خدمة المرضى بعدد من مستشفيات القطاع.