في التراث الفلسطيني وجدت الأمثال طريقها لتعكس طبيعة الحياة التي كان يعيشها الإنسان في تلك المدة، لتظهر العديد منها التي تتحدث عن الأجواء والطقس وتأثيراته في الحياة الاجتماعية.
ومن هذه الأمثال ما قيل في أيام الخمسينية أو الخمسين يومًا، التي تأتي بعد رحيل "مربعانية الشتاء" التي تعرف بأمطارها الغزيرة، لتأتي خمسينية الشتاء التي تبدأ في مطلع شباط (فبراير).
أصل الحكاية
المسن محمود أبو ديب (80 عامًا) من شرق محافظة خان يونس يوضح أن الخمسينية تأتي بعد "المربعانية" التي تتميز بالأمطار الغزيرة وبرودة الجو، إذ تختلف فيها الأجواء وأحوال الطقس.
وفي دردشة مع صحيفة "فلسطين" ينقل عن أجداده "قصة سعد التي حدثت في شباط (فبراير)، وكان قد خرج في رحلة مع صديق له اسمه سعيد، وكان معهما جملاهما، في الثلج والمطر والبرد.
يضيف أبو ديب: "سعد ذبح جمله واختبأ في قفصه الصدري، على عكس سعيد الذي لم يهن عليه ذبح جمله، لتكون النتيجة موت سعيد وبقاء سعد حيّاً، ليبدأ الناس في تداول مثل: (سعد الذابح جمله)".
بعد ذلك شعر سعد بالجوع –يواصل حديثه- فتناول لحم الجمل وابتلعه، فجاء مَثلُ: "سعد بلع" لابتلاعه اللحم من شدة الجوع، أما قصة "سعد السعود بتدب المياه بالعود وبيدفى كل مبرود" فجاءت نظراً لأن البرودة تقل ويصبح الجو مائلاً للدفء في هذه الأوقات.
ويلفت أبو ديب إلى أن بقية القصة استكمال لسعد الخبايا، فتبدأ عندما تزهر الأشجار وتسرح الحشرات ويدب في الأرض ربيعها، ويقال في المثل: "بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا"، وفيها تنتهي الخمسينية وتخف حدة البرد.
تقلب الأجواء
كذلك السبعينية أم ياسين القرا تبين أن الأربعينية والخمسينية تختلفان من حيث الأجواء؛ فالأولى تتميز بالأمطار والبرودة الشديدة، أما الخمسينية فيكثر فيها تنوع الأجواء ليجد فيها الإنسان الفصول الأربعة في يوم واحد.
وفي حديث مع صحيفة "فلسطين" تقول القرا: "في أيام الخمسينية يكون هناك ريح وهواء وبرد وحرارة، وهو ما يجعل الإنسان غير قادر على تحديد بأي فصل من الفصول يمر، ولذلك أطلق مَثَل: "مِثْل شباط الخباط"، لأن الأجواء فيه تجعل الإنسان متخبطاً لا يستطيع تمييزها".
وترى أن تغير الأجواء في هذه المدة ضروري لاكتمال نضج المزروعات والخضار -خاصة القمح والشعير- التي تحتاج إلى مدة تكون فيها الحرارة باردة وأخرى مرتفعة الحرارة.
وتذكر القرا أن الأجواء في الوقت الحالي تختلف عن الأعوام الماضية، خاصة فيما يتعلق بكميات الأمطار والبرودة والصقيع، لافتةً إلى أن الأمطار قبل 50 و60 عامًا كانت تصنع وديانًا في الأراضي، وكان الثلج والبرد يغطيان الأرض كلها ويظهران بوضوح على عكس هذه الأيام.
تراث فلسطيني
من جهته يوضح الخبير الزراعي نزار الوحيدي أنه في الجغرافيا المناخية ظاهرة "السعود" تعود إلى ما يعرف بـ"الخمسينية"، التي تبدأ في الأول من شباط (فبراير) من كل عام، ومدتها 50 يومًا تقسم على أربع مدد، كل "سعد" مدته 12.5 يوم.
ويقول الوحيدي لـصحيفة "فلسطين": "إن كل 12 يومًا أُطلق عليها اسم يعكس طبيعة الأجواء فيها، وهو جزء من التراث الخاص بفلسطين وبلاد الشام".
ويضيف: "تبدأ القصة بـ"سعد الذابح" مع بداية شباط، وتنتهي أيامه في منتصف نهار الـ13 من الشهر نفسه، وتتميز هذه الأيام بالبرودة الشديدة وتقلب الأجواء بين البرد والدفء، وأحياناً تساقط الأمطار".
ثم تأتي بعدها أيام "سعد بلع" –والحديث للوحيدي- وتكون في النصف الثاني من 13 شباط وتنتهي في الـ25 منه، ويقال فيه: "مهما أمطرت فإن الأرض تبتلع ماءها بسرعة"، ثم في "سعد السعود" التي تبدأ في 26 شباط وتنتهي ظهر 10 آذار قالوا: "المي تدور بالعود"، أي أنه في هذه المدة يبدأ النسغ يسير في جذوع الشجر وأغصانه.
ويشير إلى أنه في "سعد الخبايا" التي تبدأ ظهر 10 آذار وتنتهي في الـ22 منه قال الأقدمون "في سعد الخبايا بتطلع الحيايا -أي الأفاعي والزواحف- وتتمشى الصبايا"، وبانتهائها تنتهي الخمسينية، ويبدأ الربيع.