فلسطين أون لاين

بين اللغة الأم والمكتسبة

...
إيمان القيق

في ظل كون تعدد اللغات من الأشياء المهمة في حياة الفرد في الوقت الحاضر، كيف نحافظ على التوازن بين اللغة الأم واللغات المكتسبة الأخرى؟

لا شك أن التحدث بأكثر من لغة من الأشياء المهمة في حياة الفرد على الصعيد الشخصي والمهني، والثقافي، حيث يُمكِّن الأفراد من توسيع قاعدة معارفهم وزيادة التواصل مع الآخرين، وفتح مسارات جديدة في التفكير. على الرغم من الفوائد التي يقدمها التحدث بلغات متعددة فإنه يجب أن لا يؤثر ذلك في لغتنا الأم.

في البداية سنتعرف إلى مفهوم اللغة الأم، وما أهميتها، وكيف نحافظ عليها؟

تُعرّف اللغة الأولى التي يتعلمها الطفل منذ ولادته على أنها لغة الولادة أو اللغة الأم، وعليه فإنها تلعب دورًا مهمًّا في حياتنا لمجموعة من الأسباب: أولها التنمية الفكرية، حيث أظهرت الدراسات أن التطور المعرفي وكذلك التطور الفكري يكون أسرع بالنسبة إلى أولئك الذين يتحدثون لغتهم الأم بطلاقة، وقد لوحظ أيضًا أنه إذا تلقى الطالب تعليمه بلغته الأم فإن معدل نجاحه التعليمي يكون أعلى من أي شخص يُدرَّس بلغة أخرى غير لغته الأم.

ثانيًا: اللغة الأم هي أهم الطرق للحفاظ على ثقافتنا حية، وتساعدنا في البقاء على اتصال بثقافتنا وجذورنا، ثالثًا: إذا كان المرء لديه فهم قوي للغة الأم فمن الأسهل عليه إتقان لغة جديدة، أيضًا إن معرفة لغتك الأم جيدًا أمر يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ويخلق وعيا في ذهن الفرد، ويساعده في التواصل مع هويته الثقافية تواصلًا أفضل، إضافة إلى ذلك فإن للغة الأم دور في تحديد شخصية الفرد، وفقًا لموقع Reva University.

للحفاظ على لغتنا الأم هناك عدة نصائح يمكن تنفيذها، منها: تقوية اللغة الأم وتعزيز الانتماء المجتمعي واللغوي، وذلك بالقراءة والتعرف على ثقافة البلد الذي نعيش فيه تعرفًا أكبر، أيضا استخدام اللغة الأم في التواصل اليومي مع أفراد العائلة والأصدقاء، كذلك تعد صفوف التدريس بيئة مناسبة لممارسة اللغة الأم والحفاظ عليها حية وإعطائها قيمة أكبر، إضافة إلى ذلك فإن من أهم الأسباب التي يمكن أن تنقذ اللغة الأم هو قدرتها على الاندماج في التكنولوجيا لحمايتها من التفكك والضياع، لذلك يمكن استغلال وسائل الإعلام الرقمية ووسائل الإعلام الاجتماعية عن طريق إنشاء محتوى يهتم باللغة الأم ويحفظها بالصوت والصورة والنص، لتكون مرجعًا رئيسًا للغة.

في مسألة الموازنة بين اللغة المحلية (الأم) واللغات التي تعد ذات أهمية دولية، فإن الإصرار على التحدث باللغة الأم ربما يكون أحد أهم الأشياء التي يمكن للأفراد القيام بها للحفاظ على الموازنة، والمترجمون المحترفون مثال رائع لهذا، حيث إنهم يتقنون لغات أخرى إلى جانب لغتهم الأم دون أن يؤثر ذلك في فصاحتهم بها، أيضا من العوامل المهمة في مسألة الموازنة هو الاستخدام المحدود للغات الأخرى فيما تقتضي الحاجة، ودون أن تطغى على لغتنا الأم، خصوصًا أن اللغات الأجنبية أصبحت تستخدم استخدامًا كبيرًا في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة.

إن الهدف من تحقيق التوازن بين اللغة الأم واللغات المكتسبة الجديدة هو حمايتها من الفقدان والنسيان، حيث إن الكارثة الحقيقية تكمن فيما يترتب عليه فقدان اللغة من نسيان ثقافة البلد الذي نعيش فيه وأصوله التاريخية وقيمه الدينية، ما يؤدي إلى تفككه وضياعه.

في حال أردنا تعلم لغة جديدة وإتقانها لأي سبب كان، سواء شخصي أو مهني، علينا أن نضع بعين الاعتبار النصائح التي تمكننا من الحفاظ على اللغة الأم لحمايتها من خطر النسيان والضياع ، ولكي نصل إلى التوازن المطلوب، وأن نسعى لإيجاد دور حقيقي للغة المحلية (الأم) إضافة إلى اللغات الدولية.