خيارات متعددة أمام الناخب الفلسطيني وهو ينتظر على أحر من الجمر كي يساهم في تغيير الوضع القائم عبر صندوق الاقتراع في الانتخابات المرتقبة، الأمر الذي يفرض على الناخب الفلسطيني تحديد خياراته جيدًا في ضوء البرامج المطروحة وليس في ضوء الأسماء التي تستعرضها القوائم، لأن الجميع هذه المرة سيقدم كل عوامل الجذب عبر استقطاب شخصيات "وازنة ومقبولة" لقوائمه ليسهل جلب الأصوات، لذلك نستعرض أبرز سمات هذه البرامج، ونستطلع عوامل القوة لهذه الأطراف.
أولًا: حركة فتح
انطلقت حركة فتح بوصفها حركة وطنية ثورية مقاومة تتخذ من الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين، لكنها سرعان ما أحدثت تحولا جذريا في إستراتيجيتها ضد الاحتلال بعد غياب القادة المؤسسين، فأدى صعود قادة من خارج حواضن الثورة والفعل المقاوم إلى جرف مسار الحركة وحرف بوصلتها، لتنتقل إلى مراحل خطِرة أضرّت بالمشروع الوطني، وأفقدتها قدرتها على التأثير، وأدت إلى انفضاض جزء كبير من كوادرها وجمهورها.
فتحولت هذه الحركة العظيمة إلى حركة انتهازية تمارس التسلط والتمييز العنصري والإقصاء، وتؤمن بالتنسيق مع الاحتلال، وأصبحت تعاقب كوادرها نتيجة مواقف وطنية، وتحارب أي إمكانية للإصلاح سواء داخل فتح، أو داخل البيت الوطني الفلسطيني، والأدهى من ذلك تجريم المقاومة ومحاربتها، وقد طفى على السطح وجوه غريبة تسلقت جدار التنظيم واختطفت قراره وحيدت كوادره الفاعلة، الأمر الذي أفقدها القدرة على تقديم مشروع سياسي يليق بمكانة هذه الحركة الوطنية، وهي الآن تعيش أسوأ حالاتها في ظل الصراعات الداخلية، وما عرف (بحرب القوائم الفتحاوية) نتيجة غياب القرار الجامع.
ثانيا: المستقلون
تحاول شخصيات وطنية مستقلة في الأراضي الفلسطينية طرح نفسها بديلا عن أكبر قوتين في الساحة الفلسطينية على اعتبار أنهم يحملون شيئًا جديدًا يمكن أن يُحدث تحولا في المشهد، ويشكل إنقاذا للقضية الوطنية، لكن ما تقدمه الشخصيات المستقلة دوما قريب إلى حد كبير مما تطرحه القوى السياسية سواء فتح أو حماس أو غيرها، فالمواقف متشابهة من الرغبة في معالجة كل المعضلات في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتعزيز صمود شعبنا وصولا إلى نيل حقوقه المشروعة، وهذه البرامج لن تتخطى حدود الدعاية الانتخابية لعدم امتلاك القدرة الفعلية على إحداث التغيير المطلوب.
فالحقيقة أن هذه القوى المستقلة غير قادرة على إقناع الجمهور، وتفتقد "لأدوات الفعل والتأثير"، ومن ثم تكون عاجزة عن حسم الانتخابات لصالحها، وتكون حظوظها منخفضة ومحدودة في مواجهة القوى السياسية الكبيرة، التي تكون قادرة على التأثير في الجماهير وتستطيع استقطاب وحشد العدد المطلوب، فلم يظهر أي تبنٍّ شعبي لشخصيات مستقلة بذاتها، أو عربي ودولي، وحتى لو ظهر أي دعم عربي أو دولي لشخصيات مستقلة فلن يؤثر في إرادة شعبنا، الذي يعد أن أي تدخل خارجي هو في سياق الوصاية والإملاء.
ثالثا: حركة حماس
حركة حماس قوة سياسية وعسكرية واجتماعية وإعلامية متماسكة تتبنى الفعل المقاوم إستراتيجيةً وطنيةً وتؤمن بالعمل المسلح أولويةً في مواجهة الاحتلال مع تفعيل كل أدوات النضال سواء كانت سياسية أو دبلوماسية أو شعبية وغيره وصولا إلى تحرير فلسطين، حيث قدمت برنامجها الذي ينسجم مع ثوابت وحقوق وتطلعات وآمال شعبنا، فلم يعهد عليها أنها فرطت في المقدسات، أو تنازلت عن جزء من الوطن، ولم ترفع الراية تحت وطأة الحصار والعدوان، ولم تجبر على التفريط أو الاستسلام رغم قسوة ومرارة المؤامرة وشدتها، وهي القوة الأبرز والأكثر تنظيما وتماسكا في المشهد الفلسطيني.
وعليه أصبحت قادرة على تنفيذ مشروعها الوطني، وحظيت بثقة الجمهور الفلسطيني والعربي، لكن التحديات التي تواجهها فلسطينيا وعربيا ودوليا أدت إلى وضع مزيد من العراقيل والصعاب في وجهها لإفشال الحركة ووقف تعاظمها، وذلك خشية على المصالح الإسرائيلية، ولخوف بعض الأنظمة من تمدد التجربة لبلدانهم.
رابعا: عوامل القوة
والجدير ذكره أننا حينما نبحث في أوراق القوة التي يمتلكها الأطراف المتزاحمة نحو صندوق الاقتراع لنيل الحظ الأكبر من أصوات الجمهور فإن حركة فتح لا تمتلك شيئًا حقيقيًّا يمكن أن يشكل عامل ضاغط على الاحتلال لدعم مشروعها السياسي وليس لديها القدرة على وقف العدوان، أو حتى أي برنامج وطني كفيل بتحرير الأسرى، وغيرها من الملفات، إنما مجرد رهانات خاسرة مبنية على وعود إسرائيلية ودولية مزيفة، أما المستقلون فهم يخوضون حربا دون سلاح في معركة طاحنة، فلا حظ وفير مع جمهور، ولا قدرة مالية، ولا دعم إقليمي ودولي لهذه الشخصيات، ولا طرح سياسي جديد.
لكن حركة حماس لديها "قوة عسكرية" تساند قرارها ومشروعها السياسي وتمتلك أوراقًا مختلفة يمكن أن تشكل عامل ضاغط على الاحتلال، ولديها برنامج وطني متكامل، ففي ملف الأسرى مثلا استطاعت إبرام صفقة تبادل تحت النار (وفاء الأحرار)، وتستعد لتنفيذ صفقة جديدة، وهي تمتلك أوراق قوة لا تمتلكها معظم القوى الفلسطينية مجتمعة، فحماس تأسر "جنودًا إسرائيليين" وتفاوض عليهم لتحرير الأسرى وتبييض السجون.