ثلاثة عشر محرراً من سجون الاحتلال تعرضوا للاعتقال السياسي في سجون السلطة الفلسطينية التي تستمر في محاكمتهم منذ (13) عاماً على التوالي تحت بند "المخالفة السياسية والخروج على الشرعية".
ووصل عدد جلسات هذه المحاكمات إلى (110) جلسات، كان آخرها أمس التي تأجلت نظرا لإضراب القضاة في الضفة الغربية، في وقت يتصدر مشهد "الانتخابات وتجديد الشرعيات والمصالحة" دون تغييرات ملموسة على الأرض.
"الصيف كان لهم وباقي السنة لحياتنا العامة".. كلمات يتجمع القهر في حروفها تخرج من صوت المحاضر في جامعة القدس المفتوحة بجنين د. محمد السيد (55 عامًا)، فلم تمر الأعوام الثلاثة عشر أو تقتصر على جلسات محاكمة، بل تخللها اعتقال لدى أجهزة أمن السلطة نحو تسع مرات إضافة لمرتي أسر لدى الاحتلال تجاوزت العامين، تنغصت معها حياته ولم يحترم فيها كرامة المعلم.
بعد أحداث الانقسام الفلسطيني شنت أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات، ووجهت لهم تهم الانتماء لحركة حماس ومخالفة "الشرعية"، وكان السيد أحد المعتقلين.
"صفحة جديدة"
وقال السيد لصحيفة "فلسطين": "استمر اعتقالي مدة أربعين يومًا؛ قبل أن نجلس مع رؤساء الأجهزة الأمنية بالضفة الذين بدورهم عرضوا اتفاقية صلح لفتح صفحة جديدة، وكان الاتفاق مع المحافظ قدورة موسى وقتها، وتم الإفراج عن40 معتقلا، عقبه أغلق الملف بمقتضى الصلح".
لكن في عام 2009 أعادت محكمة البداية في جنين فتح الملف ورفعت دعوى قضائية ضد 13 محررًا بينهم قضاة وأكاديميون وموظفون.
وقال السيد: "معظم الجلسات تتأجل مصحوبة بالمماطلة، لك أن تتخيل أن هناك مضبوطات مصادرة منذ ثلاثة أعوام وعدونا بإعادتها دون تنفيذ ذلك".
في محكمة "الجنايات الكبرى" التي تختص بأعلى القضايا الجنائية، يوجد ملف هذه القضية، بعدما رفضت محكمة البداية استقبال ملفهم لكونه "ليس من صلاحياتها"، مضيفًا: "نريد إعلاء صوتنا في حوارات القاهرة لأن قضيتنا سياسية بحتة ولا يوجد مثيل لها في الضفة الغربية ولا أفق لإنهائها، خاصة أن هناك مئات حالات الاعتقال على التهمة نفسها، التي تنتهي فلماذا تبقى قضيتنا مفتوحة بالمحاكم خاصة مع وجود أجواء حوار في الانتخابات؟".
يقول: "على مدار أربع سنوات حرمت من قضاء شهر رمضان بين أسرتي نتيجة اعتقالي المتكرر".
ترحيب مختلف
بعد انتهاء مدة الأربعين يوما من الاعتقال خلف قضبان أجهزة أمن السلطة، استقبل قاضي محافظة جنين محمد فريحات بطريقة ترحيب مختلفة، فقد منع من أداء دوامه وقطع راتبه في الفترة بين 2008-2013م، لكنه كسب القضية التي رفعها في محكمة العدل العليا وأعيد راتبه دون السماح له بالعودة لممارسة عمله.
"ملخص قصتي أن هناك أجهزة أمن ترفض أن أمارس مهامي، على الرغم من أني أعمل في القضاء منذ تسعينيات القرن الماضي، ومن المحاكم الشرعية لقاضي طوباس الشرعي، ثم قاضي محكمة جنين، وإلى اليوم أرسل مراسلات لطلب الدوام التي باءت بالرفض"، يقول فريحات لصحيفة "فلسطين".
وأضاف: "استمرار القضية بحد ذاتها سبب متاعب لنا، في كل جلسة نقطع مسافة 9 كيلومترات للوصول للمحكمة، كما أن القضية لا تحرك مكانها ولا يحدث تقدم فيها".
وعلى الرغم من أن فريحات وزملاءه اعتقلهم الاحتلال على خلفية نشاطهم السياسي والاجتماعي، فإنه اعتقل كذلك عند السلطة على البنود نفسها التي حوكم عليها لدى الاحتلال.
المسار القانوني
من جانبه يقول محامي الدفاع عن القضية عبد الله زيد: إن "الظروف السياسية تؤثر في المسار القانوني للقضية، فهم بالأصل اعتقلوا وأفرج عنهم قبل إعادة الاعتقال مرة أخرى، ثم تأجلت القضية لأكثر من سبب، منها غياب القاضي".
وأضاف زيد لصحيفة "فلسطين": "القانون الفلسطيني ينص على أنه لا توجد جريمة إلا بنص قانوني، لكنهم في هذه القضية جرموا قضية قبل القانون، كما أن أي إنسان توجه له تهمة يتم التحقيق معه بناء على الأدلة فإما يستمر التوقيف وإما يُطلق سراحه".
ويؤكد أنه لا توجد مخالفة قانونية ارتكبها هؤلاء المحررون وفق المعطيات التي بين يديه، خاصة أن التهمة بالانتماء لحركة حماس عام 2006، ليست جريمة.
من جانبه عد عضو لجنة الحريات خليل عساف استمرار القضية "إقصاء" يجب أن ينتهي، وأن يعمل الجميع من أجل سيادة القانون ورفع الظلم عن كل إنسان وحماية حرية الرأي والتعبير.
وقال عساف لصحيفة "فلسطين" إن "القضية سياسية، تورط فيها القضاء والقانون، وتم فيها تكييف القضية على متهمين سياسيين عن طريق النيابة العامة وهذا التوريط مقصود".
وشدد على أنه إذا لم تستطع حوارات القاهرة إنهاء موضوع انتهاك حرية الرأي والتعبير فإن اللقاءات ستحكم على نفسها بالفشل.
وقفة للمحررين
وكان عدد من الأسرى المحررين في جنين نظموا، أمس، وقفة للمطالبة بوقف ملاحقتهم ومحاكمتهم المتكررة أمام القضاء، على خلفية آراء سياسية، في ظل الحديث عن المصالحة والانتخابات.
وطالب القيادي في حركة حماس وصفي قبها، الحكومة في رام الله والقضاء الفلسطيني بوقف معاناة مجموعة من الأسرى المحررين الذين يلاحقون أمام القضاء الفلسطيني منذ 13 عامًا على خلفية حالة الانقسام.
وشدد قبها في الوقفة التضامنية أمام محكمة جنين، على أن الانتهاك الحقيقي للقانون هو عرض هؤلاء الأسرى على القضاء على خلفية آرائهم السياسية وتعبيرهم عن رأيهم.
وقال قبها: "انتصر للقانون الأساسي الفلسطيني وأتضامن مع 13 أسيرا محررا يحاكمون منذ عدة سنوات على قضايا يكفلها القانون وحرية الرأي والتعبير، حيث العمل السياسي والتنظيمي".
ورأى قبها أن "ما يجري بحق هؤلاء الأسرى المحررين هو انتهاك للقانون، من جهة الأصل بها أن تكون راعية له".
وأضاف: "نرفض انتهاك بنود القانون الأساسية وسياسة تكميم الأفواه، فهؤلاء 13 مواطنًا يجب إنهاء مأساتهم، ويجب أن نجسد سلطة القانون وحمايتها من أي تدخلات حزبية، ومن أراد أن ينتهك القانون فليتحمل تبعات ذلك".
وتابع: "على المتحاورين في كل الأماكن وفي ظل أجواء المصالحة العمل على إنهاء معاناة هؤلاء، وتوفير البنية التحتية الحقيقية لإنجاح المصالحة للتفرغ للاحتلال وجرائمه".