فلسطين أون لاين

شبح الملاحقة يقترب لتخويف المرشحين

في داخل الغرف المغلقة لأجهزة الأمن الفلسطينية توزع كشوف خاصة عن أبرز كوادر ونشطاء حركة حماس، تشمل أسماءهم رباعية وبياناتهم الشخصية وعناوين منازلهم وأماكن أخرى يمكن أن يوجدوا فيها، إضافة إلى أسماء الأصدقاء المقربين، وتصنيف هؤلاء الأشخاص حسب الأهمية، وذلك بغرض إبقائهم تحت المتابعة، ولا أقصد المتابعة الروتينية؛ فهي موجودة أصلًا، بل تكثيف العمل وإبقاءهم تحت النظر لحظة بلحظة ورفع تقارير دورية بأي نشاط يثير القلق.

فقيادة المنظومة الأمنية في الضفة معنية بالمحافظة على حالة الهدوء والاستقرار، ولا تريد أي نشاط للحركة في هذه المدة مع حرص الحركة على إعادة ترتيب صفوفها، ورغبتها في خوض الانتخابات، فالمطلوب إرباك صفوف الحركة ومنعها من استعادة عافيتها، وتعطيل أي دور لها للتنظير داخل المجتمع في الضفة، لأن التقديرات التي تصل إلى مركز القرار في دوائر المقاطعة تشير بشكل لافت ومخيف إلى أن حركة حماس يمكن أن تفوز في الضفة فوزًا غير معهود.

هذه التقديرات جزء منها استطلاعات لمراكز بحثية وتقديرات لخبراء، إضافة إلى تقارير إسرائيلية سابقة وحالية تتخوف من السيناريو المرعب، وهو تمدد نفوذ الحركة من طريق الانتخابات في الضفة، لكون جماهير الضفة ناقمة على أداء السلطة الفلسطينية، وترغب في استئناف عمل المقاومة وتصعيد الانتفاضة في وجه جرائم الاحتلال، مع حالة السخط على تصرفات أجهزة الأمن التي تمنع استهداف الجنود والمستوطنين، وتنامي مظاهر الفساد لكوادر السلطة، ورغبة كثير من كوادر ونشطاء فتح التصويت بشكل انتقامي من قياداتهم الحالية.

ويشكل فوز الحركة في الضفة هاجسًا يلازم هذه القيادات التي ترى أنه من الضروري إبقاء مرشحي حماس المحتملين في جو من الخوف والملاحقة والتهديد بصفة رسمية أو بأفعال المجهولين عبر الاتصالات المشبوهة، أو رسائل التهديد، أو بالاعتداء والضرب المبرح، أو بتعريض مركباتهم ومنازلهم للحرق أو إطلاق النار، وذلك لدفع هؤلاء الأشخاص إلى البقاء خارج اللعبة ورفض الدخول في معترك الانتخابات.

ويمتد ذلك الاستهداف إلى الأشخاص المستقلين الذين يمكن أن تعرض عليهم حماس النزول في قوائمها، ليكونوا عنوانًا في هذه القائمة لما لهم من ثقل ووزن اجتماعي يمكن أن يحصد أعلى الأصوات، فيمكن أن يلقوا مثل ما يلقاه كوادر الحركة، والإجراءات بحقهم ربما تتصاعد في حال رفضوا الانصياع لعصي الابتزاز والترهيب، هذا كله يأتي إلى جانب حملات أمنية يشنها أيضًا الاحتلال يوميًّا لاعتقال العشرات من كوادر وأنصار الحركة، بغرض إفقادها ثقلها وإضعاف حضورها في ساحة الضفة.

وبذلك تصبح الحركة غير قادرة على ترتيب صفوفها بالشكل المطلوب، وتعجز عن تنفيذ دعايتها بالطريقة المثلى، وتكون في موقف محرج في أثناء سعيها لتجهيز مرشحيها من الشخصيات العامة في الضفة، وتعيش في واقع مزرٍ ومقلق في جو من الإحباط والخوف، وتتحرك بصعوبة بالغة وهي تحاول تفادي الافتراس مع (ملاحقة مزدوجة) تمارسها أجهزة السلطة وقوات الاحتلال.

وهذا ليس جديدًا في واقع الضفة؛ فكوادرها يتحضرون جيدًا لهذا المشهد، وقد أثبتوا قدرتهم على الصبر والثبات والصمود في وجه ظلم ذوي القربى وفي وجه بطش وجبروت الاحتلال، فعلى الرغم من الملاحقة والمداهمة والاعتقال قيادات الحركة في الضفة استطاعوا إثبات وجودهم، وكان لهم الدور البارز في إحياء مسار المصالحة ودفعوا باتجاه الانتخابات وتجديد الشرعيات إلى جانب القيادات الأخرى، حرصًا على إنهاء الانقسام السياسي، ورغبة في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وتعزيز صمود شعبنا في مواجهة المخاطر والتحديات الراهنة، وانطلاقًا من شعورهم بالمسؤولية تجاه أهلنا في الضفة الذين يعيشون في ظروف مأساوية تتطلب دعمهم وإسنادهم في مواجهة تغول الاحتلال، وتفرض خلق بيئة صحية وآمنة يجتمع فيها الشركاء لبناء وطن بعيد عن المحاصصة والفئوية وأساليب وممارسات القمع والإقصاء.

لذلك من الضروري أن تتوقف أجهزة الأمن في الضفة عن التدخل في ملف الانتخابات بأي صورة، وتبقى تمارس عملًا محددًا في إطار النظام والقانون، وألا تصبح رهينة بيد الحزب الحاكم في رام الله، وألا تمارس سطوتها على مكون أصيل من شعبنا مشهود له بالتضحية والفداء، وأن تبقي دورها محصورًا في تأمين مراكز الاقتراح وحماية المرشحين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية لتنال ثقة شعبنا وتستعيد جزءًا من مكانتها بعد أن لطخت سمعتها بممارسات غير وطنية، وإلا فإن العار سيلحق بها وبقياداتها التي ستكون يومًا ما مسؤولة أمام شعبنا وتحاسب أمام منصات القضاء.