قائمة الموقع

جرائم القتل بالداخل المحتل .. "نكبة جديدة" بأدوات إسرائيلية

2021-01-25T11:49:00+02:00
صورة أرشيفية

انتهى من أداء واجب العزاء بأحد ضحايا العنف الذين قُتلوا غدرًا؛ لم يعلم أنه الضحية التالية المستهدفة، بعد ساعة ونصف سار الدكتور سليمان اغبارية رئيس بلدية أم الفحم سابقًا وأحد القيادات الوطنية بالداخل المحتل، عائدًا لمنزله، في المقابل كانت عيون الغدر تتعقبه بصمتٍ.

ما إن ركن سيارته حتى ترجَّل مجهولان من سيارة وأطلقا عليه نحو ثلاث عشرة رصاصة، ثماني منها أصابت منطقة الصدر والبطن والقدمين، ولاذوا بالفرار تاركينه مضرجًا بدمائه في جريمة مروعة حدثت قبل أيام، إلا أن حبال أنفاسه التي وصلتها نيران التصفية والاغتيال لم تُقطع بالكامل، وظل يصارع الموت في غرفة العناية المكثفة.

وتشهد البلدات العربية جرائم منظمة لا ترغب شرطة الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة عليها، وتتعمد ترك رؤوس الإجرام، رغم قدرتها على التعقُّب والمراقبة، والضرب بيد من حديد كما لو كانت تلك الجريمة متعلقة بالمجتمع الإسرائيلي، ولكن الاحتلال يتعامل بعنصرية حتى في محاربة الجريمة.

"أبي كان قبل ساعتين يؤدي واجب عزاء بأحد ضحايا العنف الذين قُتلوا غدرًا، وبعد مرور ساعة ونصف حاولوا تصفيته"، تتسابق مشاهد الجريمة في صوت (أنس) نجل الدكتور سليمان اغبارية عبر سماعة الهاتف الأخرى وهو يروي التفاصيل لصحيفة "فلسطين" التي كانت تسمع تنهيدات القهر بداخله.

صوتٌ خافت كمن يشده من قاع بئر يملأه الحزن وهو يقصُّ فصول الجريمة: "شخصان مجهولان نزلا من سيارة في أثناء محاولة أبي ركْن سيارته، وأطلقوا نحو ثماني عشرة رصاصة، وكانت حالته صعبة حتى وصلت الشرطة الإسرائيلية وطوَّقت المكان بقوات كبيرة، واعتقدوا أنهم تُوفي".

"أُدخل العناية المكثفة والعمليات وظل على التنفس الاصطناعي وطرأ تحسُّن على حالته بعد ستة أيام، وأُجريت له أمس عدة عمليات بالقدمين والبطن"، سبقتها كلمات رجاء وحمد لله على تماثله للشفاء، والتي جاءت بفضل دعوات كل الذين ساعدهم والده المعروف بالإصلاح وفعل الخيرات، في داخل فلسطين وخارجها.

وعدَّ أنس ما تشهده المدن العربية في الداخل المحتل نكبةً حقيقية، وأضاف: "كان اتهامنا واضحًا للشرطة الإسرائيلية وأجهزتها بأنهم هم من حاولوا تصفية والدي الدكتور سليمان، قُلتها في إفادتي للشرطة: أنتم من حاولتم تصفيته بأيدٍ عربية، وهي مَن توظِّف هؤلاء الزعران لذلك".

من هو سليمان اغبارية؟

لماذا يحاولون تصفيته؟ سبقت إجابته ضحكة مخنوقة بالقهر دوى صداها بداخله سرعان ما تفجر معها غضبه: "لأن أبي له باع طويل في قضية القدس والأقصى، يُمنع من دخول القدس منذ عامين، يمنع من السفر، يُمنع من إعطائه رخصة طب الأسنان بتهمة أنه يعمل لرجال الإرهاب، اعتُقل مع الشيخ رائد صلاح عام 2003م، واعتُقل عامًا ونصف العام في 2017م، وتتوالى الاعتقالات ومحاولات التصفية".

حسب الإحصائيات حول معدل الجريمة بالداخل المحتل، ارتفع عدد ضحايا جرائم القتل العام الماضي إلى 113 قتيلًا، منهم 16 امرأة، وشهد عام 2019م جرائم قتْل طالت 91 فلسطينيًّا منهم 11 امرأة، و72 حالة عام 2018، ومثلها عام 2017م، و64 حالة عام 2016م، و58 حالة قتْل في 2015م.

شمعة انطفأ وهجها

صوتٌ قادمٌ من الخارج يقتحمُ غرفة "كفاح اغبارية"؛ ابتلعت جدرانه الصدى الذي ظل يتردد فيه، وابتلع خوفها الذي تحوَّل إلى دموع قلق على شقيقها خالد الذي خرج لصلاة الفجر في السادس والعشرين من 2020م، قبل إيقاد شمعة ميلاده الخامسة والثلاثين بيومٍ واحد فقط، حملتها قدماها وجسدها المرتعد للخروج من البيت بحثًا عنه لتجده غارقًا بين دمائه، حينما انسابت دموعها بخفة وغسلت روحه تواريه الثرى.

تلك الدموع التي تساقطت قبل عدة شهور لم تجف بعد، صوتها القادم عبر الهاتف مختنق بها، تعيد المشهد مرة أخرى لصحيفة "فلسطين":" ركضتُ حافية القدمين، أبحث عنه فوجدته غارقًا في الدماء".

قبل أن تصمت تمتمت بصوت خافتٍ "حسبي الله ونعم الوكيل، غدروه ورحل تاركًا أربعة أطفال".

خُطفت روح خالد قبل أيام من عيد الأضحى، وانطفأت شمعة الفرح، معروف عنه "أخلاقه الرفيعة" ببلدته (تقول شقيقته)، لكن كانت ليد الغدر كلمة أخرى.

وتقول شقيقته: "نحن لم نعرف من قتله إلى اليوم، والشرطة الإسرائيلية تتذرع أنها لم تجد أدلة، هذه الذريعة لا تستخدمها معنا فقط، بل مع كل عائلات الضحايا التي لم تُكتشف فصول الجرائم فيها".

تعيش كفاح على وقع صدمات متتالية، ففي شهر رمضان قُتِل ابن عمها أمام أطفاله، وكذلك ابن خالها، بنفس الطريقة من مجرمين مجهولين، ينقذف صوتها الغاضب مثل رصاصة غادرت فوهة البندقية، بعفوية: "مش عارفة ايش اللي بصير؟، أو الشرطة الإسرائيلية معنية بزرع الإرهاب، مش معقول حتى هسا ما تحرك!، حتى إنهم بضايقوا علينا كل يوم إزعاج إزعاج واقتحام البيوت بذريعة البحث عن أدلة، وكأن الدليل في البيت، والشوارع مليانة كاميرات مراقبة".

ويعيش المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 حالة مقلقة تستنزف قواه وتفكيره، متمثلة بتفشي الجريمة، الفردية والمنظمة، والتي وقع ضحيتها، منذ 2011 إلى الآن، ما يقارب 650 ضحية، دون تعداد الجرحى الذين سقطوا من جراء هذا العنف.

نصف مليون قطعة سلاح

يحدد المختص في علم الإجرام وليد حداد نوعين من الجرائم: النوع الأول جرائم عنف عادية مرتبطة بخلافات عائلية، وكانت موجودة على مدار السنوات الماضية، والنوع الثاني جرائم ترتكبها عصابات جريمة منظمة وتصفية حسابات.

يقول حداد لصحيفة "فلسطين": "يستعمل السلاح يوميًّا بأنواع مختلفة من الرشاشات الخفيفة، حتى الخلاف على ملكية أرض أو دَيْن، لا يتم اللجوء للمحاكم بل لتلك العصابات".

وحول مصادر السلاح، ينقل عن التقارير الأمنية الإسرائيلية، أن 70% من السلاح مصدره جيش الاحتلال والشرطة وأجهزتها الأمنية، والباقي يهرَّب من أماكن متعددة بعضها من الضفة الغربية، وأنه يوجد قرابة نصف مليون قطعة سلاح غير مرخصة بالمجتمع العربي حاليًّا حسب تلك التقديرات.

يستدرك: "لو لدى الاحتلال شك بأن أهداف هذه الظاهرة ليست جنائية فإنها تستطيع إنهائها في أيام كما فعلت مع عصابات الجريمة اليهودية قبل أعوام، لذلك تغضُّ الطرف عنها وهم يعلمون مصادر السلاح".

اخبار ذات صلة