سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين، وللإجابة عليه يجب الوقوف على أسباب فرض الحصار الصهيوني على غزة، حيث بدأت أولى خطوات فرض الحصار بإيقاف المساعدات الأوروبية والأمريكية عن الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة حماس بُعيد فوزها في الانتخابات البرلمانية في يناير 2006، ثم شدد الاحتلال الصهيوني حصاره بعد أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الصهيوني جلعاد شاليط في حزيران 2006، ليتم لاحقاً تشديده بشكل خانق بعد سيطرة حكومة إسماعيل هنية فعلياً على زمام الأمور الميدانية في الشارع الفلسطيني إبّان أحداث يونية 2007م، وإلى يومنا هذا فشلت كل الجهود في رفع الحصار بشكل نهائي عن غزة، رغم تخفيف وطأته موسمياً بفعل الضغوطات الميدانية على كيان الاحتلال.
وبالعودة إلى الأسباب الحقيقية لاستمرار هذا الحصار طوال أربعة عشر سنة متواصلة، نجد أن شروط رفع الحصار عن غزة تم الإشارة إليها في صفقة القرن الأمريكية التي عبّرت عن رؤية اليمين الصهيوني للصراع في المنطقة، حيث أكدت وثيقة صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نهاية شهر يناير 2020 بوضوح أنه "لن تحدث تحسينات كبيرة للناس في غزة حتى يتم وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وتجريد غزة من السلاح بالكامل"، وفي بند آخر أشارت أنه لن يُتوقع من دولة الاحتلال أن تنفذ التزاماتها إلا إذا كانت السلطة الفلسطينية، أو هيئة أخرى مقبولة لدى الاحتلال تسيطر بالكامل على غزة وهي منزوعة السلاح بالكامل.
وبالحديث عن سلاح غزة نجد أن رئيس السلطة الفلسطينية أشار إليه أكثر من مرة، حيث أعلن في إحداها رفضه استنساخ تجربة حزب الله في غزة، وأخرى رغبته بجعل غزة كحال الضفة التي تعتقل أي مسلح خارج إطار الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح، وثالثة اشترط فيها سيطرة كاملة على غزة فوق الأرض وتحتها، ما يعني عملياً السيطرة على سلاح المقاومة، وقدراتها الصاروخية، وخطط الأنفاق وغيرها.
ما ذكرته أعلاه يؤكد أن مفتاح رفع الحصار هو نزع سلاح السلاح وليس إجراء الانتخابات، فهل معنى ذلك أن نرفض الذهاب للانتخابات؟ قطعًا ستبقى الانتخابات هي المدخل المنطقي لطي صفحة الانقسام، ونحن بحاجة ماسة لها للتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقّه الدستوري بالترشّح والانتخاب، واختيار ممثليه أمام دول العالم والمحافل الدولية، وظني أنه رغم التحديات الجسام يجب علينا أن نتمسك بإجراء الانتخابات المقبلة، وأن نصر على شفافيتها ونزاهتها، فالانتخابات النزيهة تعني عمليًا قيادة حقيقية تمثل الشعب الفلسطيني، فالقيادة التي تحتكر القرار والتمثيل الفلسطيني اليوم هي أضعف ما يكون، علاوة على كونها تحارب المقاومة الفلسطينية، بل وتنأى بنفسها عن أي دفاع عسكري أو دبلوماسي ضد اعتداءات كيان جيش الاحتلال ومستوطنيه، فهل رأيتم يومًا رجل أمن فلسطيني دافع عن كرامتنا وأطلق رصاصة بأمر من القيادة الفلسطينية على جنود الاحتلال المتوغلين جهاراً نهاراً في شوارع مدن الضفة ومخيماتها؟ أم هل سمعتم عن سفير فلسطيني دافع أمام المحافل الدولية عن العميات الفدائية التي يقوم بها شبان الضفة؟ أو دافع عن رجم الحجارة على مركبات المستوطنين؟ رغم أن إلقاء الحجارة هو في جوهر المقاومة الشعبية السلمية التي يتغنى بها رئيس السلطة الفلسطينية.
إننا نهدف من دعمنا لإجراء الانتخابات ممارسة حقنا الدستوري، واختيار قيادة فلسطينية تمثلنا بشكل فاعل، لكن رفع الحصار المفروض على غزة يحتاج إلى إحدى الوسائل التالية:
أولًا: جهد دبلوماسي تقوم به القيادة الفلسطينية بمساعدة عربية وإسلامية لتجنيد المؤسسات الدولية والدول الصديقة للضغط على كيان الاحتلال وإجباره على رفع حصاره عن غزة، فإذا كانت السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية المحيطة هي شريك فاعل للاحتلال في حصار غزة، فمن الذي سيضغط على الاحتلال لرفع الحصار؟ لذا فإن تحقيق هذا الخيار يتطلب تغييرا سياسيًّا جوهريًّا في دول المنطقة، وهو الأمر الذي نستبعده في المدى المنظور.
ثانيًا: تشكيل ضغط جماهيري وعسكري متواصل على كيان الاحتلال، بحيث تصبح تكلفة حصار غزة مرتفعة لدى كيان الاحتلال، وهو الخيار الأقرب إلى الواقع الذي تعيشه غزة، فالاحتلال اضطر إلى تخفيف حصاره المشدد بعيد مسيرات العودة الكبرى ما يعني عملياً أننا يجب أن نحافظ على وتيرة الضغط هبوطاً وارتفاعاً بحسب الأوضاع الميدانية، لكن يجب ألا نترك الاحتلال يعيش أمنًا وأمانًا في حين يستمر الحصار.