فلسطين أون لاين

التكافل.. صورة مشرقة للإخاء والتعاون بين المسلمين

...
غزة- صفاء عاشور:

من أجمل معاني الحب الذي جسده الإسلام العظيم في شرعه هو التكافل الاجتماعي، الذي يزيد من أواصر الإخاء والقوة بين المسلمين.

وهو بمنزلة البلسم للجسد المريض في تطبيق قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، وقطاع غزة اليوم يشتكي أوجاع الحصار، والفقر، وجائحة كورونا، الأمر الذي يتطلب الحاجة الماسة للتكافل بمعانيه السامية، ليزداد قوة وصمودًا على أرضه المقدسة.

الناس درجات

خلق الله (تعالى) الناس، ووزع عليهم الأرزاق برحمته وعدله، وجعلهم في تفاوت بالرزق بحكمته، إذ يوضح الداعية الإسلامي محمد خلة أن الله (سبحانه وتعالى) لم يخلق العباد على مستوى واحد من الفقر أو الغنى، فقال (تعالى): "وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ" (النجم:48)، أي هو الذي بسط في الرزق على عباده بالغنى وعلى بعضهم بالفقر.

ويقول في حديثه مع صحيفة "فلسطين": "من سنة الله (تعالى) في خلقه أنه رفع بعضهم على بعض درجات في كل شيء، ومنها الغنى والفقر، وما ذلك إلا لحكمة منه (سبحانه) بأن يجعل بعضهم يحتاج للآخرين".

وفي همسة محبة في مسامع الأغنياء يقول خلة: "كما كان من سنة الله (تعالى) وحكمته أن يحاسب المقصرين من الأغنياء على بخلهم عن الفقراء، ومكافأتهم إن أنفقوا عليهم بخير الجزاء".

ويستشهد بفضل هذا العمل بأن من يفعله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ..."، أي الذين ينفقون ابتغاء مرضاة الله (تعالى)، ويعملون على مساعدة المحتاج بحيث لا يرضون للفقير المذلة بصدقاتهم، فيقدموها بما يحفظ على الفقير كرامته وحاجته بعيدًا عن الذلة له.

ويبين خلة أن الله يجزي كذلك الفقراء خير الجزاء على صبرهم على الفقر، إذ قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلَقِ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ وَتُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ...".

حق شرعي للفقير

ولكل غني عليك أن تتذكر أن المال الذي تحمله فيه حق للفقير، إذ يشير خلة إلى أن مال الغني فيه حق شرعي للفقير يجب على الغني دفعه له، فهو ليس منة وفضلًا منه عليه، بل هو واجب شرعي للفقير.

ويستشهد على ذلك بقوله (تعالى): "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (المعارج: 24-25)، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ".

وللتكافل أنواع يبينها خلة، ذاكرًا أن من أهم أنواع التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء التي يجب أن توجد في المجتمعات العربية والمسلمة أولًا: إنفاق الحاكم على شعبه، وذلك بسد رمق الفقير من الجوع والمسكن والملبس وغير ذلك، حسب قدرة الحاكم من المال.

وأما النوع الثاني فيوضح أنه يتمثل في إنفاق الأغنياء على الفقراء عامة في داخل بلادهم أو خارجها، إلا أن أهل بلده أولى بالإنفاق عليهم، خاصة إن كانت ظروفهم الاقتصادية صعبة وزاد الفقر والحاجة بينهم.

ويكمل خلة عن النوع الثالث: "إنفاق المؤسسات الخيرية في البلد على الفقراء فيه بالتساوي دون محاباة لأحد على أحد"، والنوع الرابع يتمثل في إنفاق الجار الغني على جاره الفقير، فقد أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) بالجار إذ قال: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حتى ظننت أنه سيورثه".

ويلفت خلة إلى أنه قد يكون الإنفاق من الفقير على الفقير أيضًا، وهذا من أعلى درجات الإنفاق، إذ يستشهد بقوله (تعالى): "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" (الإنسان:8).

صور التكافل

والتكافل في الشريعة الإسلامية لا يقتصر على تقديم المساعدات من المال، والطعام، والثياب، إنما هو أشمل من ذلك بكثير، إذ يذكر خلة أن العمل على حل مشاكل الناس في قضايا تكون معسرة عليهم، وقضائها لهم من أهم أنواع التكافل الاجتماعي.

ويضيف عن صور التكافل: "وكذلك إصلاح ذات بين المتخاصمين وإحلال الأمن بينهم هي من درجات التكافل الاجتماعي".

ويستشهد بقوله (تعالى): "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ" (النساء:114).

المتأمل من أهالي قطاع غزة في آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وما يترتب على ذلك من الثواب العظيم؛ يستشعر أهمية التكافل في تقوية أواصر الإخاء والمحبة والتعاون في مواجهة الحصار وكل من يحاول أن ينال من عزيمة الشعب الفلسطيني وثباته على أرضه؛ فهي رسالة لكل إنسان يستطيع أن يقدم المساعدة أن يشد بذلك من عضد أخيه.

من جهته يقول المدير العام للإدارة العامة للوعظ والإرشاد الشيخ د. يوسف فرحات: "إن خلق التكافل الاجتماعي من أول الأخلاق التي حث عليها الإسلام، ودعا الرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام) إلى تثبيتها بين المسلمين، وذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار عند قدومهم للمدينة المنورة".

ويقول فرحات لصحيفة "فلسطين": "إن هذه المؤاخاة كانت تحمل صورًا عديدة للتكافل الاجتماعي والإيثار تعلمها المهاجرين والأنصار، وبقيت راسخة في أذهانهم ويعملون على ممارستها بأشكال مختلفة".