يتحتم على اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة التوافق بشأن القضايا الفنية لعقد الانتخابات عقدًا متكاملًا، وسط تخوفات وتحديات تحيط بالعملية الانتخابية مرتبطة بتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي، الأمر الذي يتطلب -وفق مراقبين- نجاح اللقاء في الوصول إلى اتفاق سياسي بشأن مرجعية الانتخابات وتوقيع ميثاق شرف باحترام نتائجها بما يفضي إلى تشكيل حكومة من القوى المشاركة بعدها.
وثمة ألغام أمام قطار الانتخابات، بشأن مرجعيتها القانونية وشكل البرلمان، فهل سنكون أمام برلمان دولة كما جاء في المرسوم الرئاسي الذي أصدره رئيس السلطة محمود عباس، أم برلمان سلطة حكم ذاتي؟
ويقلل محللان سياسيان تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين" من إمكانية تفجر العملية الانتخابية بسبب العقبتين السابقتين، مشيرين إلى أن الأمر يحتاج إلى توافق سياسي بالقاهرة.
ويرى المحللان أن فرص نجاح الانتخابات يعززها التوجه الإقليمي والدولي نحو تغيير الحالة السياسية الفلسطينية، الذي تقاطع أيضًا مع تولد قناعة لدى السلطة الفلسطينية بأن إقامة علاقات مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض يتطلب تجديد الشرعيات.
وصدر الجمعة الماضية مرسومًا رئاسيًّا بإجراء الانتخابات الفلسطينية العامة على ثلاث مراحل: الأولى: تشريعية في 21 مايو/ أيار، تليها انتخابات رئاسية في 31 يوليو/ تموز، ثم انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب القادم.
الاحتلال أولًا!
أبرز التحديات التي تواجه لقاء الأمناء العامين في القاهرة والعملية الانتخابية، من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، هو الاحتلال فليس له مصلحة بإعادة بناء الشراكة الوطنية الفلسطينية، وهذا يتطلب إرادة فلسطينية قوية للمضي بها.
يرى عوكل أن الإرادة السياسية الفلسطينية بدأت تتوافر، "ولكن ينقصها ثقة الأطراف ببعضهم، كذلك الثقة بين الساسة والمواطن الفلسطيني الذي يبدو أنه لا يصدق أن هناك انتخابات".
ويعتقد أن هناك قضايا بالإمكان تجاوزها بشأن آليات إجراء الانتخابات بالمؤسسات الوطنية المعنية بالرقابة على العملية الانتخابية ومرجعيتها القانونية، مرجحًا تجاوز الخلاف السياسي بموافقة الأطراف على إجراء الانتخابات رغم معرفتها أنها ستنتج مجلسًا تشريعيًا كالذي أفرزته "أوسلو".
وقال: "الشأن السياسي ليس عقبة أمام المصالحة الفلسطينية، والاعتقاد السائد بأن الانتخابات تتم بظروف مناسبة لإنجاحها".
وعدّ عوكل الصيغة التي صدر بها مرسوم الانتخابات وتراتيبها لتبدأ بالتشريعية ثم انتخاب "رئيس دولة فلسطين"، "خلط غير مفهوم، فلا الدولة أعلنت ولا المجلس التشريعي مناسب أن يكون تحت حكم دولة".
وأضاف: "نحن أمام إشكالية تحتاج إلى توضيح، لكنها لا تصلح أن تكون عقبة لأنه يمكن أن يكون هناك مجلس تأسيسي وليس تشريعيا، وتبقى السلطة كما هي".
فرص النجاح
ومما يعزز فرص نجاح الانتخابات، وفق عوكل، أن الحسابات المرتبطة بالظروف المحيطة خاصة بعد تولي جو بايدن سدة الحكم بأمريكا، والموقف العربي الحالي يدفع باتجاه تغيير الحالة الفلسطينية.
وأوضح أن هذه المصلحة تقاطعت مع توجه السلطة وفتح للمفاوضات وحل الدولتين التي تحدث عنها بايدن، "وجهوزية السلطة لذلك تتطلب تجديد الشرعيات أولًا".
بالنسبة إلى حماس، رأى المحلل السياسي أنها "لا تخشى من الانتخابات ولا تريد أن تكون مسؤولة عن تعطيلها، وتستجيب لنصائح أطراف قريبة منها وتحترم علاقتها معها مثل: تركيا وقطر والأردن ومصر"
وأشار إلى أن الحركة دخلت الانتخابات التشريعية والنظام السياسي الفلسطينية عام 2006 بقرار استراتيجي، وتريد إعادة بناء النظام السياسي، وهذا لا يمكن أن يحدث دون انتخابات.
ويعتقد عوكل أن خوض الانتخابات بنظام التمثيل النسبي (القوائم) سيمنع أي طرف من تحقيق فوز ساحق، بِعدِّ الضفة وغزة والقدس قائمة واحدة، وعليه يحصل كل طرف على مقاعد حسب حجمه بالشارع الفلسطيني.
وقال: "هناك فرص جيدة لإنجاح الانتخابات، وهناك أطراف عربية يهمها احتواء حماس والمقاومة في إطار نظام سياسي".
مرجعية الانتخابات
هل يمكن تنظيم الحملات والاقتراع في كامل الأراضي الفلسطينية؟ سؤال يرى الخبير في شؤون الانتخابات د. طالب عوض أنه بعد صدور المرسوم الرئاسي في 15 يناير، الذي حدد مواعيد الانتخابات، والاتفاق بين حماس وفتح على إجرائها تواليًا، "يجعلنا أمام استحقاق حقيقي لإجراء الانتخابات على أساس النظام الانتخابي النسبي الكامل، باعتماد الدائرة الواحدة".
لكن ثمة تحديات بشأن مرجعية الانتخابات يستعرضها عوض، أهمها أن يصدر مرسوما خاصا يحدد تشكيل محكمة الانتخابات، مستدركا: "لكن الانتخابات الفلسطينية كانت دائما حرة ونزيها، وهناك إجماع على لجنة الانتخابات التي تم التوافق عليها عام 2011م".
وهذا ما يحتم أن يتمخض عن حوار الفصائل المرتقب بالقاهرة، اتفاق سياسي بين الفصائل الفلسطينية باحترام نتائج الانتخابات، والاتفاق على ميثاق شرف بشأن آلية العملية الانتخابية، واتفاق سياسي لما بعد الانتخابات بأن يُذهَب لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع وتمثل كل المشاركين، وتعمل على إنهاء حالة الانقسام وتعزيز الوحدة، وأن يُحدّد دور الأجهزة الأمنية بحماية الانتخابات وعدم التدخل فيها.
نسب نجاح الانتخابات هذه المرة مرتفعة، بحسب عوض، لأنه لم يصدر أي مرسوم رئاسي قبل ذلك إلا مرة واحدة عام 2009م، الذي حدد الانتخابات في العام الذي يليه، لكنها تأجلت وحدثت اتفاقات عديدة لم تنجح بالاتفاق على إجراء الانتخابات.