أن تمارس عملك في داخل مستشفى 18 عامًا يمكن أن يجعلك تعتقد أنك قد رأيت كل شيء يمكن أن يحصل للمرضى في قسمك، ولكن ما رأته الحكيمة في قسم القلب والقسطرة القلبية بمستشفى غزة الأوروبي في جنوب قطاع غزة سامية أبو ظريفة كان مختلفًا جدًّا.
فمن كانت تعمل في أحد أكثر الأقسام خطورة وعلاقة بالحالات الخطرة -وهو القلب- ظنت أن معايشتها الموت خلال الأعوام الماضية جعلت الأمر عليها سهلًا، ولكن مصابو كورونا المعاناة التي مروا بها كانت مختلفة عن أي شيء آخر رأته في حياتها.
"صراع بين الحياة والموت" هذا هو الوصف التي استطاعت الحكيمة سامية أن توصله في حديث مع صحيفة "فلسطين"، عندما تحدثت عن معايشتها لمرضى كورونا أصحاب الإصابات الخطرة، فالمريض يصارع ليحظى بجرعات من الأكسجين لتستمر نبضات قلب، يواجه وحده فيروس لا يزال العلم يجهل عنه كل شيء.
تقول: "تجربتي مع علاج المرضى المصابين بفيروس كورونا كانت ولا تزال أمرًا صعبًا، ورغم مرور عدة شهور على عملنا اليومي معهم وتعودنا استقبال وعلاج هذه الحالات الذكريات الصعبة لا تزال حبيسة عقولنا وصدورنا".
وتضيف سامية: "لا أزال أتذكر أول يوم عمل لي في مستشفى غزة الأوروبي الخاص بالحالات المصابة بكورونا، وكان في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2020م، وكان المستشفى قد اختلفت تقسيماته عما كانت في السابق، إضافة إلى تغييرات طرأت على الطاقم الطبي".
وتشير إلى أن أصعب لحظة في حياتها هي عندما دخلت قسمًا فيه من 20-30 مريضًا مصابين بالفيروس ويعانون المرض، وهو ما جعلها تبكي من هول المنظر، وتحدث نفسها ومن حولها أنها لا تريد الاستمرار في العمل.
وتكمل: "جاء في خاطري عائلتي وطفلتي التي لم تتجاوز من عمرها العامين وتنتظر عودتي كل يوم إلى المنزل لحملها واحتضانها"، متابعة: "لم أتوقف عن سؤال نفسي كيف سأتعامل معها ومع زوجي وأبنائي عند عودتي، خاصة أن عملي كان ساعات معينة ثم العودة للمنزل".
وتلفت أبو ظريفة إلى أنها بعد مدة قصيرة وجدت نفسها بتوفيق من الله كأن راحة نزلت على قلبها، وأن من واجبها أن تتحمل المسؤولية وترعى هؤلاء المرضى، وأنها إن لم تقم بهذه المهمة فمن سيقوم بها غيرها؟!
وتؤكد أنها أزاحت عن عقلها وأكتافها كل الهموم والهواجس التي حملتها، وتوكلت على الله ليرعاها هي وأسرتها كما سترعى المرضى بكل أمانة، ولا تزال مستمرة حتى الآن.
وتلفت سامية إلى أن عملها في المستشفى عبء كبير، ولكن الأكبر منه كان هم عودتها للمنزل وكيفية استقبال أطفالها، خاصة ابنتها الصغيرة، مشيرةً إلى أنها كانت دائمًا ما تفكر كيف ستحاول إبعادها وعدم احتضانها وتأثير ذلك على حالتها النفسية، وهو ما تجاوزته بمساعدة زوجها الذي سهل لها عملية دخولها المنزل، وتغيير ملابس العمل، ثم رؤية أطفالها.
عمل سامية في مستشفى غزة الأوروبي (الوبائيات) جعلها تعزل نفسها اجتماعيًّا، فحرمت نفسها زيارة أمها وباقي أفراد أسرتها، كما امتنعت عن زيارة أقارب زوجها، رغم حرصهم الدائم على التواصل معها ودعوتها لزيارتهم، ولكنها كانت دائمًا ما ترفض خوفًا من نقل العدوى لأي منهم.
"مشاهد صعبة"
ولا تزال سامية تتذكر تلك المرأة التي خرجت من العناية المركزة وهي ترجوها بصوت بصعوبة يخرج من حنجرتها شربة ماء لأنها عطشى، أو ذلك المريض الذي كان يصارع لأخذ نفس دون أن يستطيع جسده الضعيف ذلك.
"لكن أصعب حالة لا تزال راسخة في ذاكرتي هي امرأة في الستين من عمرها كان مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بأبنائها، وكذلك كانوا هم، حتى إن أحد أبنائها كان يتصل بي ويستجدي السماح له بالدخول لرؤيتها، وهو ما لم يكن مسموحًا به، ولا تزال عبارة "بدي أشوف إمي" ترن في أذني وكأنني أسمعها الآن" بهذا تختم سامية حديثها عن المواقف التي لا تزال تراودها.