فلسطين أون لاين

كورونا تغزو السجون

...
بهية النتشة- زوجة الأسير ماهر الهشلمون

عندما دبت كورونا دبيبها في أقسام ريمون، هذا السجن الذي يقبع فيه كبار السن من الأسرى وأصحاب المؤبدات، سجن بعيد في الصحراء، من ضمن أكبر السجون، استنفر الأسرى دون سجانيهم، ودب الخوف فيهم على أنفسهم، بعد أن عاشوا شهورًا يخافون على أحبابهم في الخارج انقلبت الآية الآن، ولا شك سجانهم لا يكترث، فبكل وقاحة يقول لهم سجانهم: "نعم، أنا معي كورونا، وها أنا في دوامي أقابلكم"، كيف لا وهم من يتمنون زوالنا جميعًا؟!، الظلم عن السجان معروف على مدى العصور، ولكن ظلم سجانينا لا مثيل له، فهم من سلبوا الأرض، وقتلوا الأبرياء، وسجنوا من فكر يومًا بأن يرفع رأسه بكرامة.

عندما مرض ذلك السجين الأول الذي ظهرت عليه أعراض المرض لم تكلف الإدارة نفسها إلا بعلاج للأنفلونزا العادية، كيف استبعدوا كورونا في ظروف كهذه؟!، كيف شخصوا حالته أنفلونزا عادية، وتجرؤوا على إعادته بين زملائه أربعة أيام أخر؟!، وعندما لم تنخفض حرارته عن الأربعين فكروا بإجراء الفحص فتبين ما تبين، عزل من معه في الغرفة وبدأت الفحوصات للجميع، لم تظهر النتائج إلا بعد يوم ونصف اليوم، بوتيرة بطيئة على مدى اليوم ظهرت النتائج، وبدأت أسماء المصابين تظهر تباعًا، ما يزيد على ٣٨ اسمًا في قسم يوجد فيه ٩٠ أسيرًا، كل من جهز نفسه للعزل اقتيد لقسم جديد فقط، لا لعيادات ولا لأقسام خاصة لمتابعة العلاج، من يقع منهم، ويتداعى، يؤخذ للمستشفى فقط، يواجهون المرض والعزل والمجهول، فلا هم يصلون أهلهم، ولا أحبتهم يطمئنون عليهم، في القسم رقم (٤) أحد الأقسام التي انتشر فيها هذا الوباء، وفاقمت هذه الجائحة هموم أسرانا يقبع زوجي الغالي ماهر، أصبح زملاؤه يتغيبون، واحدًا تلو الآخر، حتى بعد النتائج الأولى ظهرت أعراض عند آخرين، تطلبت إعادة الفحص ليتبين إصابتهم، بدأ الجميع يطالع بعضهم بعضًا، يتساءلون من التالي؟

في السجن لا مجال للتباعد؛ فالغرفة التي لا تزيد على مترين طولًا في عرض، يقطن فيها ستة أسرى في أفضل الحالات، ولا مجال للتهوية أو التعقيم، لم يقف الأسرى مكتوفي الأيدي، حاولوا بما يتوافر لديهم من منظفات ومعقمات بسيطة كالماء والكلور أن يعقموا ما توقعوا أنه يبقيهم في سلامة، لا كمامات كافية، ولا مساحة، ولا تهوية.

ماذا يفعل الأسرى الآن وهم يخرجون من ضائقة إلى ضائقة، بين العدد والتفتيش والتضييق، وقلة الدواء والعلاج والعناية، بين حملات القمع والضرب والتنكيل، والعزل الانفرادي لمن يعترض؟!، تراهم بين الفينة والأخرى يجابهون مشكلة جديدة، أجهزة التشويش منذ أعوام، خافوا أن تسبب لهم السرطان ثاروا وأضربوا فقمعوا وعزلوا، هددت حكومة الاحتلال بملاحقة مخصصاتهم الشهرية ثاروا واعترضوا وأضربوا، فما كان من الاحتلال دومًا إلا أن نفذ ما عزم عليه منذ البداية!، والآن تركهم في جائحة كورونا منذ بدايتها دون تخفيف عدد الأسرى في الغرف، أو توفير سبل الوقاية، أو تحرك دولي أو عالمي لإنقاذهم، ماذا يفعل الأسرى؟!، لمن يلجأ أمثالهم؟!، ومن يكون لهم نصيرًا؟!

هل يتوقع الجميع منهم أن يصبروا ويحتسبوا ويرضوا بواقع الظلم هذا؟!، هل ينام الناس في بيوتهم بعد كل هذا متأففين من طقوس الحجر الآمنة التي يتوافر فيها كل شيء، ولهم إخوة تركوا للمجهول والمرض وظلم المحتل ينهشهم؟!

ضاقت والله عليهم وهم يتساءلون عن أعراض المرض، وكيفية الوقاية منه، وسط جهل كثير منهم لعدم توافر حتى الإرشادات، ماذا يفعل أمثالنا (أهاليهم)؟، كيف نطمئن عليهم؟، وكيف نمضي أيامنا بعد اليوم؟، هل ننتظر سماع أخبارهم وندعو الله أن يكونوا بخير؟، لمن نتوجه لنوفر لهم سبل العلاج والوقاية؟، هي تساؤلات تدور في رؤوسنا، هي مخاوف تزورنا في كل لحظة ودقيقة، كيف نمضي أيامنا أقوياء ونقوي أبناءنا؟، كيف نطمئن ذويهم الذين أكل منهم العمر مأكلًا؟، كيف نقنعهم بأن الأمور ستكون بخير، وأن أبناءهم أقوى من كل هذه المآزق والضروب التي تفتك بهم؟

أجيبونا بالله عليكم عن تساؤلاتنا، أوجدوا لنا الحلول؛ فإن عقولنا قد توقفت من هول ما نسمع ونعيش، تربطت عقولنا وقيدت عن التفكير في أي اتجاه يجب أن نتحرك، أصابتنا هذه الصدمة الأخيرة بالجمود، أزيحوا عنا هذه الغمة، ساعدونا بما استطعتم، فنحن وأسرانا نحارب وحدنا من لا يرحم، طمئنونا؛ فنحن فعلًا لسنا بخير.