فلسطين أون لاين

تحديات العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وأنظمة الخليج العربي

 

أحسنت حماس صُنعًا بمبادرتها إلى تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بإتمام المصالحة الأخوية مع دولة قطر، ونجاح الدورة الحادية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا بالمملكة السعودية.

رسائل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لخادم الحرمين وولي عهده، أكدت رغبة الحركة في النأي بالقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة من أي خلافات بين الدول العربية، وسعيها إلى الحفاظ على علاقة ودّية أخوية مع كل الأشقاء العرب، وتوضيح موقفها الحاسم بعدم الدخول في أي محاور أو صراعات في المنطقة قد تنتقص من التأييد الرسمي أو الشعبي للقضية الفلسطينية.

تدرك المقاومة الفلسطينية جيدًا أن كيان الاحتلال هو المستفيد الأول من تصاعد أي صراعات عربية في المنطقة، وأن مشاركة الفلسطينيين في أتون تلك الصراعات يُضعف القضية الفلسطينية، ويُشَكّل ثغرة لاختراق الحاضنة الشعبية العربية التي تعدّها عمقها ومخزونها الاستراتيجي الذي يُعد شريان الحياة لصمود الفلسطينيين فوق أرضهم المحتلة.

تَحَسُّن علاقة المقاومة الفلسطينية مع الأنظمة الخليجية هو مدخل مهم لتعزيز العلاقة مع الشعوب الخليجية التي تأثرت سلبيًّا بفِعل الحملات الإعلامية المُوجَّهة، التي هدفت إلى تشويه الرموز الفلسطينية وطعنت في النضال الفلسطيني، والتي شهدنا بعضها قبيل وإبّان تسارع بعض الأنظمة نحو التطبيع مع كيان الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية التاريخية.

ورغم قناعتنا برغبة حقيقية لدى فصائل المقاومة في ترميم العلاقة مع الأنظمة الخليجية فإنه من المبكر الحديث عن نجاحات فلسطينية في تحقيق هذا الهدف، فالتحديات التي تواجه المقاومة ما زالت كبيرة، ومن أبرزها إدراج قادة المقاومة الفلسطينية ورموزها على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية بضغط من اللوبي الصهيوني الذي يمتلك قدرة سياسية بارزة في المجتمعات الغربية، فالأنظمة الخليجية التي تسعى للتقارب مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية ليست مستعدة لتقديم أي أثمان سياسية نظير علاقتها المفترضة مع المقاومة الفلسطينية.

تقارب المقاومة الفلسطينية مع أنظمة الخليج يتطلّب جهودًا مضنية في تغيير قناعات بعض الحكام الذين باتوا مؤمنين بأن توددهم للكيان الصهيوني هو بوابتهم الواسعة لنيل القبول الأمريكي والأوروبي، وأن التقنيات التكنولوجية التي تمتلكها دولة الاحتلال ستنقلهم إلى مصافّ الدول المتقدمة، متجاهلين أن كيان الاحتلال لم يقدّم لدول مصر والأردن والسلطة الفلسطينية التي تربطها علاقات سياسية وأمنية مع الاحتلال، أي خدمات تقنية أو تكنولوجية طيلة العقود الماضية.

علاقة المقاومة الفلسطينية بالجمهورية الإيرانية تمثل تحديًا كبيرًا أمام تحسين علاقة المقاومة بالأنظمة الخليجية التي تعُدُّ إيران مصدر توتر في المنطقة، وتُحمّلها مسؤولية ما آلت إليه الأحداث في العراق وسوريا واليمن ولبنان، لذا فإن تلك الأنظمة تشترط مسبقًا قطع أي علاقة فلسطينية مع إيران، وهذا الشرط لا يمكن للمقاومة الفلسطينية القبول به بحال من الأحوال، فإيران قدمت للفلسطينيين وعلى مدار سنوات ما ساعدهم في مواجهة اعتداءات الاحتلال المتكررة على غزة، في حين أحجمت الأنظمة العربية في المقابل عن مد الفلسطينيين بأي خبرات عسكرية أو أسلحة تساعدهم في الصمود فوق أرضهم المحتلة.

التحدي الآخر الذي يواجه المقاومة الفلسطينية هو نظرتها للصراعات في المنطقة، فبينما تعد المقاومة أن الصراعات في المنطقة هي صراعات سياسية مُغَلّفة بغلاف مذهبي طائفي، وترى الانحياز لأي من أطرافها هو إضعاف للقضية الفلسطينية، بل ودفعت ثمنًا كبيرًا نتيجة خروجها من سوريا ورفضها دعم النظام السوري مع بداية الأحداث في سوريا، ترى الأنظمة أن الاصطفاف الطائفي معها في مواجهة إيران هو المدخل المطلوب لتحسين العلاقة مع المقاومة الفلسطينية.

ورغم تلك التحديات الجسام التي تُعد حجر عثرة أمام تَحَسُّن العلاقة الأخوية بين الفلسطينيين وأنظمة الخليج فإن الأمل ما زال معقودًا بعَودة المياه إلى مجاريها، خاصة مع انتهاء حقبة ترامب الذي عمل على تأجيج الصراعات في المنطقة، والأزمات والانقسامات الداخلية التي يعيشها كيان الاحتلال، الذي أسهمت مخططاته في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، وطي صفحة الخلافات الخليجية في قمة العُلا بالمملكة السعودية، واتجاه أنظمة الخليج العربي للتهدئة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يُعد داعمًا سياسيًّا للنضال الفلسطيني.