بعد أن أحاط الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى بعشرات المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، وعشرات الأنفاق تحت الأرض التي باتت تهدد أساساته، شرع في تغيير الوقائع على الأرض في محيط المسجد وطمس الوقائع التاريخية في ظل صمت رسمي عربي ودولي.
وكان الأردن قد طالب (إسرائيل) بوقف فوري لأعمال الحفريات في ساحة البراق، الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك فورًا والتقيُّد بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال في القدس.
وكانت آليات ثقيلة تتبع لسلطات الاحتلال شرعت الأحد الماضي في عمليات تجريف وحفريات في ساحة البراق قرب باب المغاربة، في محيط المسجد الأقصى في سياق مشروع تهويد ساحة البراق وجنوب غرب المسجد.
تسهيل وصول المستوطنين
المختص في شؤون القدس الباحث فخري أبو دياب بيَّن أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بحفريات في منطقة ساحة البراق جنوب الأقصى بهدف إقامة مشاريع استيطانية جديدة منها إقامة أبنية في محيط المسجد لحجب الرؤية عنه.
وقال أبو دياب لـ"فلسطين": "كما سيقيم بنية تحتية لمصعد كهربائي يصل "حائط البراق" وباب المغاربة بحارتَيْ المغاربة (اليهود) والشرف؛ لزيادة وتسهيل وصول المستوطنين لباحات الأقصى والساحات الملاصقة له، وتغيير واقعها في ظل عدم قدرته على هدمه حاليًا لأن الظروف غير مواتية".
وأشار إلى أن تلك الأعمال تؤثِّر على أساسات المسجد الأقصى، إذ يأخذ الاحتلال الأتربة والصخور من المكان حتى أصبح البابان الجنوبي والغربي معلقَيْن بالهواء، وقد يؤدي أي عمل مصطنع أو زلزال إلى انهيار فيه.
وتابع أبو دياب: "المنطقة المستهدفة مهمة جدًا للاحتلال، وهو منذ زمن يعمل على تغيير الواقع فيها، خاصة أنها مليئة بالآثار التي تحاول طمسها ومسحها أو تجييرها لأسطورة وتاريخ مزور، ما يغير من تاريخ هذه المنطقة من عربية وإسلامية لتزويره وكـأنه جزء من "الهيكل" لإثبات أحقيته في حضارة مزورة".
واستغرب من سكوت اليونسكو" والمؤسسات الدولية على تدمير الاحتلال للإرث الحضاري والإنساني المنافي للمبادئ العلمية لعلم الآثار والحفريات وهو جريمة بحق الإرث الحضاري وجريمة ضد الإنسانية، خاصة أن الآثار التي حُطِّمت لا يمكن إعادتها، لكونها موجودة منذ آلاف السنين.
وبيَّن أبو دياب أن الأردن صاحب الوصاية على المقدسات بالقدس التي يُعدُّ حائط البراق جزءًا منها، وهي وقف إسلامي حسب الاتفاقيات الدولية، والاتفاقيات بين الأردن و(إسرائيل) هي المسؤولة عن الترميم والصيانة ورعاية هذه الأماكن.
وأضاف: "لكن (إسرائيل) تسمح للأردن بالتدخل ما يستدعي من الأردن استعمال أوراق الضغط لمنع تلك الحفريات التي تساهم في زعزعة وتشقق أو انهيار الأقصى".
وبيَّن أن الاحتلال يكثِّف الحفريات داخل وخارج "الأقصى" وأذرع الاحتلال لا تأخذ أي إذن من أي أحد حيث تعمل في غياب الضغط الدولي فتعبث بتاريخنا وحضارتنا كما تشاء.
ورأى أبو دياب أن الحفريات في "البراق" ستمتد لأجل عمل بينية تحتية لتهيئة المنطقة؛ لإقامة محطة ركاب في القطار الهوائي التهويدي الذي يعمل الاحتلال على بنائه انطلاقًا من غرب القدس ومرورًا فوق وادي الربابة (يحاول الاحتلال الاستيلاء على أراضيها حاليًّا لإنجاز المشروع) ليكون هناك محطة لإنزال مستوطنين في "البراق".
وأكد المختص في شؤون القدس أن الاحتلال يواصل في العام الحالي حسم أمر القدس مستغلًا كورونا والوضع العالمي والوضع في البيت الأبيض والتطبيع العربي وانشغال الأمة عمَّا يجري في القدس؛ لفرض وقائع تهويدية بالقدس.
تصاعد التهويد
في حين أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهجير ناصر الهدمي أن مشروع تهويد القدس زادت حدته بعد الاعتراف الأمريكي بها عاصمة للاحتلال.
وقال الهدمي لصحيفة "فلسطين": "الاحتلال الآن يمسُّ واقع حائط البراق على الرغم من أن القرارات الدولية بدءًا من عصبة الأمم عام 1929 واليونسكو قبل بضع سنوات أكدت أنه ملك للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال".
ولفت إلى أن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) غيَّر الواقع القانوني حيث ألغى واقعة تحت الاحتلال، عادًّا أن هذا شجَّع الاحتلال على العودة لمشروعها الذي حاولت إنجازه في 2007م والقائم على تهويد حائط البراق وتلة باب المغاربة الأثرية المتبقية من العصر الأيوبي وأصبحت وقْفًا لأهلنا من المغرب العربي.
وأشار الهدمي إلى أن (إسرائيل) في حينها لم تستطع إكمال مشروعها الاستيطاني في المنطقة حيث أثار الأمر ضجة إعلامية ودولية، مضيفاً: "أما الآن فالظروف مواتية لتغيير الواقع بالقدس في ظل ضعف الوضع العربي والتطبيع مع الاحتلال".
وأبدى أسفه لتحول دور الأردن ودائرة الأوقاف التابعة لها لمجرد مراقب ينقل الصورة والاحتجاجات فقط، رغم أنه صاحب الولاية وله فقط حق إدارته فلا يجوز لأحد غيره التصرُّف في المكان.
وبيَّن الهدمي أن الاحتلال يعمل على تقليص سيادة الأردن في المكان، التي بدورها تبدو ضعيفة في مواقفها تساوقًا مع الواقع الإقليمي والهرولة العربية نحو التطبيع وإعطاء غطاء لممارسات الاحتلال.