جميعهم لم تتجاوز فرحتهم حدود جدران القلب، فأيمن الكرد ذلك الشاب الوسيم قُيدت فرحته بتمكنه من متابعة مشواره العلمي، وحصوله على شهادة الثانوية العامة بمعدل 76.6%، وأصبحت حبيسة خلف القضبان الحديدية التي تقتل أي فرحة تفكر أن تحوم حوله وحول أسرى غيره، فلم يستطع أن يستشعر لذة احتضان والدته له ابتهاجًا بتلك المناسبة، واقتصر الأمر على أن يبلغها بنجاحه عبر سماعة الهاتف الباردة: "ماما أنا نجحت".
أما عائلته فكيف لهم الفرح وصاحب الفرحة بعيد عنهم؟!، فلا يمكنه أن يسمع أصوات زغاريدهم أو أغنية "الناجح يرفع إيده"، فجلسوا بعضهم بجوار بعضٍ صامتين، والكلمات بداخلهم حبيسة، والدموع تغدر بهم أحيانًا فتسقط على وجناتهم.
الشاب الكرد (24 عامًا) أصدرت محكمة الاحتلال المركزية في القدس المحتلة قبل أربعة أعوام حكمًا بالسجن 35 سنة بحقه، وفرضت عليه دفع مبلغ مالي قدره 330 ألف شيقل.
أيمن من سكان حي كفر عقب شمال القدس المحتلة، أسره الاحتلال في 19 أيلول (سبتمبر) 2016م، من منطقة باب الساهرة ، بعد أن أصابه جنود الاحتلال بجروح خطرة.
يقول والده حسن الكرد: "في ذلك اليوم الكئيب الذي لا يمكن وصفه بأي نوع من المشاعر جاءني خبر أسره وإصابته وأنا في عملي، لم أستطع استيعاب الصدمة".
16 رصاصة غادرة اجتاحت جسده، وجعلته يعاني شللًا في أطرافه السفلية، ولا يقوى على الحركة إلا بواسطة كرسي متحرك، ليعيش في ظروف صحية صعبة: "كان بأمس الحاجة أن نكون بجواره، ولكن سياسة الاحتلال منعتنا من ذلك، واقتصرنا على الاطمئنان عليه من طريق محامي ينقل لنا أخباره".
أكثر من ساعة وهو مسجى أرضًا ينزف دون أن يتلقى أي رعاية طبية، ظن الجميع أن استشهد، ونقل إلى مستشفى "هداسا عين كارم" فاقدًا للوعي، ومكبلًا بالسرير، بعض الرصاصات أصابت عموده الفقري، وأخريات استقرت في جسده، وتسببت بنزف بسبب أكياس دم.
وضع أيمن الصحي الصعب دفعه بداخل الأسر للتغلب عليه وعلى مرارة الأسر بالعودة إلى الدراسة التي تركها وهو في الصف الثامن، فأدرك أنه في هذه الظروف لا تنفعه سوى شهادته العلمية.
يشير والده إلى أن ابنه أحد ضحايا الإهمال الطبي المتعمد الذي تمارسه إدارة السجون بحقه، فيعيش اليوم أوجاعه مضاعفة حيث المرض الذي يهدد حياته وتجاهل إدارة السجون معاناته.
وينتظر والده أن تسمح إدارة السجن بعودة الزيارة للأسرى في سجن جلبوع بعد اكتشاف مصابين بفيروس كورونا، ليشارك ابنه في فرحة نجاحه.
أما والدته فتقول لصحيفة "فلسطين": "أيمن آخر العنقود، لا أناديه باسمه بل صغيري، تألمت يوم معرفة نتيجته، فلم يحظَ باهتمامي في تلك المرحلة الصعبة، لأسهر معه في أثناء دراسته، وأتابع دروسه، وأعد له مشروبًا ساخنًا، أو ترافقه دعواتي قبل خروجه للامتحان".
"هاتفني يوم نتيجته ليخبرني بنجاحه، ضاعت الكلمات مني مع اختلاط مشاعري، لم أتمكن أن أعبر عن فرحتي، وتحسست الغصة في قلبي وقلبه، فأعرف من ماذا يشكو رغم بعدي عنه، ليتألم قلبي أضعافًا" تضيف.
وقد ترك أيمن مقاعد الدراسة وهو في الصف الثامن، والفرحة لم تسع قلبها بعودته لها وإدراكه أن التعليم أساس الحياة، ولكن بعد إعلان نتيجته كلما حاولت فرحة النجاح أن تتسلل لقلبها تذكرت وضعه الصحي الصعب، وحاجته الماسة للعلاج.
غضب وحزن ومشاعر أخرى استوطنت قلبها في أول مرة شاهدت ابنها فيها بعد الحادثة، وكانت في المحكمة، وتلاها زيارات صامتة لكونها لم تستوعب بعده عنها، متمنية أن تراه في القريب العاجل خارج أسوار السجن، ليتلقى العلاج المناسب الذي يمكنه من العودة للسير على قدميه، ويكمل حياته التعليمية.