قائمة الموقع

من "الشاشة البيضاء".. رسائل "أحمد مسعد" الفنية تخطت حدود الحصار

2021-01-09T13:45:00+02:00
أحمد مسعد فنان رقمي
فلسطين أون لاين

يمرر قلمه على شاشةٍ بيضاء؛ فتكسر خطوطه السوداء مساحة الفراغ فيها وتملأ أجزاءها واحدة تلو الآخر، بداية بتشكل الملامح الأولى للشخصية، يحيك لوحته ويغزلُ أدقَّ التفاصيل، تمر ساعةٌ وساعتان يخوض فيها معترَكًا فنيًّا بين القلم والشاشة المضيئة، فتلمع من داخلها لوحةٌ فلسطينية وطنية مرصعَّة بالجمال، يدخل بفكرته ورسومه الرقمية إلى قلوب الناس، خاصة الأشقاء العرب وأبناء المحيط.
دخان متصاعد من ألسنة اللهب، في كل مكان ألقت فيه طائرات الاحتلال الإسرائيلي ما في بطونها من قذائف وصواريخ، في عدوانها سنة 2014م، ألهم فكر أحمد مسعد (27 عامًا) من سكان مدينة دير البلح وسط قطاع غزة؛ ليحوِّل الدخان إلى لوحة فنية، فكانت بداية بزوغ نجم الفكرة بمخيلته "جعلتُ من شكل الانفجار وهو يصعد للسماء للوحة تعبِّر عن الخوف، أو البكاء على الشهداء على شكل طفل أو امرأة، أبكَت فيها تلك الموجة الانفجارية التي تتلاشى في السماء بعد أن تكون قد دمّرت على الأرض، وشرَّدت عائلات وخطفت أرواحهم فعبَّرت عن الأحداث بطريقة أخرى أثارت مشاعر الناس".. يرجع في حديثه مع صحيفة "فلسطين" لنقطة الانطلاق.
وأحمد خريج بكالوريوس إعلام وتكنولوجيا اتصال من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، بدأ حياته بالرسم الورقي والجداريات قبل أن يتحول بكل حواسه إلى الرسم الرقمي (الديجتال).


الموهبة ولدت من مزح 


يسرقُ مشهدٌ من رزنامة تلك الأيام ضحكةً عبرت حديثه مثل رعشةِ برق: "بداية كان الأمر تحديًا معي صديقي، فبدأتُ برسم أولى اللوحات الرقمية واستغرقت وقتًا طويلًا فيها لثلاثة أيام، وعندما رآها سخر ضاحكًا، فقد كانت بعيدة كل البعد عن صورته الحقيقية".
لكن لم يعرف صديقه أن تلك السخرية أثارت روح التحدي لدى أحمد، وفجَّرت براكين الموهبة بداخله، "قررتُ إعادة الرسمة مرة ثانية وبدأتْ أصابعي التي تعوَّدت على الرسم على الورق تتحرك باتزان على الشاشة المضيئة"، يستذكر.
يضع نقطة النهاية على المشهد الذي تغيَّرت معه حياته: "أنهيتُ الرسمة بإتقان بعد تعبٍ أمضيتُ فيه وقتًا طويلًا"، ابتسم صوته وملامحه وهو يجلس على مقعد في أحد جنبات مقر صحيفة "فلسطين" التي استضافته: "دُهش صديقي من دقة الرسمة، وأقرَّ بجمالها، فنشرتُها وأحدَثَتْ صدى وتفاعلًا على صفحتي الشخصية على موقع "فيسبوك" كل ذلك مدَّنِي بطاقة وحافز على الاستمرار والتحوُّل من الرسوم الورقية إلى الرقمية".
مع كل يوم كانت يد أحمد تنسج لوحة فنية جديدة، في كل مرة يخرج لأصدقائه بفكرة ورسمة جديدة، رسَم الكثيرَ من الشخصيات، وتفاعَل مع القضايا الوطنية، يتوقف عند انتفاضة القدس التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين أول 2015 قائلًا: "رسمتُ معظم شهدائها، كذلك في هبَّة باب الرحمة جسَّدتُ شباب القدس في رسمة لفارس يرتدي درعًا ويُشهِر سيفًا خلفه قبة الصخرة، لاقت إعجاب أصدقائي من القدس المحتلة وهم كثر".
"يعتقد البعض أن الفن الرقمي سهل، لكن هذا اعتقاد خاطئ، فهي مثلها مثل الرسم على الورق، قد تستمر بالرسم على اللوحة لخمس ساعات أو ليومين، لأنك تبدأ من صفحة بيضاء تحدد في الخطوة الأولى ملامح الشخصية كاملة، ثم تبدأ بطلاء الألوان ومزجها وتدريجها، والغوص في أدق التفاصيل لمعالم الشخصية، أو ما حولها من تفاصيل"، ويصاحِب ما ذكره أحمد صعوبات أخرى كتوفير شاشة الرسم وحاسوب بمواصفات عالية.
يعلِّق بعفوية: "إذا بدك تجيب شخصية لازم تكون راسم ملامحها بدقة، عشان تكون أقرب للواقع من الكرتون".


القضية في القلب!


يأخذك إلى قلب هاتفه، يستعرض بعضًا من الصور التي رسمتها أنامله، تظهر على الشاشة أمُّ تجلس أمام إحدى بوابات المسجد الأقصى بقربها يقف طفلها يحمل "فانوس" رمضان كترحيب بالشهر الفضيل، يقلب صورة أخرى لشاب يقبِّل يد فتاة في ساحة المسجد الأقصى، فكم من عهد ارتباط وثقت أوتاده في تلك الساحات، وكم من حبٍ نمى زرعه من أرضه، كانت تلك الساحة أجمل مكان يمرر فيه الخُطَّاب دبلته في إصبع خطيبته ويولد حبهما بمعية ومباركة المكان. 
ترى شابًا يقف بحارة من حارات القدس، يتنقل أحمد بين الصور، فيعثر على رسمة الشهيد باسل الأعرج وهو يحمل بندقية بيد وبالأخرى ورقة ويتوشَّح بالكوفية، ثم صورة لأب يهمُّ بذبح خروف فوق عشب أخضر وتحت ظلال شجرة من بعيد تظهر قبة الصخرة والبيوت حولها.
يمرُّ على مجموعة صور لطفلين يتعرفان على معالم المسجد الأقصى، يزيحُ الستار عن الكواليس: "الصور خاصة بقصص نعمل على إنتاجها، تُعرِّف الأطفال على معالم المسجد الأقصى، من إعطاء كل معلم لونًا خاصًا به، كالمحاريب، والبوائك، والأبواب".
القصة مكونة من قرابة ستين صفحة، يتم تُعرِّف كل معلم بلون مميز، مثلًا حينما يقف الطفلان أمام قبة الصخرة ويتحدثان، فيتعرف الطفل القارئ عليها بإعطائها اللون الأزرق، ومثلًا قبة "الأرواح" التي طُليت باللون الفضي، وهكذا باقي الصور.
في أثناء ترحاله داخل تلك الصور تظهر زخارف، ومحراب صلاح الدين الأيوبي، يتوقف عن تحريك إصبعه على شاشة هاتفه، مقربًا الزوم على أرضية المسجد الأقصى يترك معلقًا: "استغرقت في رسم البلاط يومين".
تنبع أهمية الرسم الرقمي (الديجتال) من واقع تجربة أحمد، لتعدد استخدامه، في القصص المصورة والرسوم الكرتونية والأفلام الوثائقية، "فيه يمكنك دمج الخيال مع الواقع، وهي ليست مجرد رسمة، فيمكن طباعتها، وتغيير حجمها مع المحافظة على جودتها، ومنها صنعتُ فرصة عمل عن بعد، وتجاوزت عقبة الحصار وتعاقدت مع شركات من الخليج وأماكن أخرى".
" لو بدي استنى الوظيفة تيجي مش حتقدم خطوة" وبذلك تقدم خطوة للأمام، ورغم انشغاله بالعمل لم يترك القضية مردفًا: "أستغل أي حدث وطني لرسمها رقميًّا".
يدرك أحمد أهمية هذا الفن في إمكانية تجاوز حدود الحصار، وغس التأثير لدى أبناء الوطن العربي برسائل فنية، "شعور ممزوج بكل معاني الفخر، وأنت تستخدم الفن الرقمي في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومحاربة الاحتلال، وإثارة تفاعل الناس خارج فلسطين، بصورة جمالية تستفز مشاعر العرب ويتأثرون ويتفاعلون مع الحدث باستخدام الفن" يختم حديثه.








 

اخبار ذات صلة